عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    16-Nov-2023

هل أشعلت "حماس" شرارة الانتفاضة الثالثة؟ الأمر يتوقف على الضفة الغربية

 الغد- ترجمة: علاء الدين أبو زينة

دانيال بايمان* - (فورين أفيرز) 24/10/2023
 
 
تعكف إسرائيل الآن بكامل قوتها على شن الحرب في قطاع غزة. وتقوم قواتها بتنفيذ توغلات وشن غارات جوية أدت حتى كتابة هذه السطور، وفقا لوزارة الصحة التي تديرها "حماس" في غزة، إلى مقتل أكثر من 5.000 شخص في غزة. ولكن، حتى مع اشتداد الصراع مع "حماس"، فإن البلاد تواجه أزمة خطيرة أخرى. لقد بدأ القتال في غزة ينتشر إلى الضفة الغربية، في ما يؤدي إلى ما يمكن أن يتحول إلى انتفاضة ثالثة.
 
 
في أعقاب قصف 14 تشرين الأول (أكتوبر) في المستشفى العربي الأهلي في غزة، الذي نسبه المسؤولون الإسرائيليون والأميركيون إلى حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية بينما يتهم العديد من الفلسطينيين إسرائيل بالمسؤولية عنه، اندلعت مظاهرات عنيفة في جنين ونابلس ورام الله وطوباس وغيرها من المدن الكبرى في الضفة الغربية. وأعلن الفلسطينيون أيضا إضرابا عاما للعمال في جميع أنحاء الضفة، وبدأ المستوطنون الإسرائيليون المتطرفون -الذين سارعوا إلى جعل الوضع السيئ أكثر سوءا- في شن هجمات انتقامية. ولقي أكثر من 90 فلسطينياً حتفهم في الضفة الغربية حتى صباح 22 تشرين الأول (أكتوبر). وسوف تواجه السلطة الفلسطينية، التي تحكم الضفة الغربية، ضغوطاً شديدة للحفاظ على سيطرتها، وسوف تؤدي جهودها للحفاظ على النظام إلى الإضرار بالشرعية المتآكلة مسبقا للرئيس الفلسطيني محمود عباس في الضفة.
بالنسبة لواشنطن، لن تؤدي الفوضى في الضفة الغربية سوى إلى تفاقم التحديات التي خلقتها الحرب في غزة، وسوف تظهر بشكل أكبر كيف أن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ما يزال بلا حل إلى حد كبير. في السنوات الأخيرة، وضع العديد من المراقبين وصناع السياسات في الولايات المتحدة هذا الصراع في مرتبة متأخرة، وخلصوا إلى أنه -حتى لو أصبحت السياسة الإسرائيلية أقل استقرارا- فقد تم التوصل إلى توازن جديد. وأصبح "التطبيع" الإقليمي هو الكلمة السائدة بعد أن وقّعت إسرائيل اتفاقيات سلام مع البحرين، والمغرب، والسودان والإمارات العربية المتحدة، ومع اقتراب إسرائيل والمملكة العربية السعودية من إقامة علاقات دبلوماسية رسمية لأول مرة. لكنّ الواقع على الأرض كان يتعارض بشكل واضح مع هذه الرؤية المتفائلة. وكنتُ قد كتبت في مجلة "فورين أفيرز" في شهر شباط (فبراير) الماضي أن "التطورات الخطيرة على الجانبين، الإسرائيلي والفلسطيني، تتقارب الآن، وأن التوقعات للعام 2023 تبدو قاتمة". وعلى الرغم من الافتقار إلى الشعور بالخطر في إسرائيل والولايات المتحدة، فإن الأدلة كانت تشير بوضوح إلى "استنتاج يائس لا مفر منه: أن فرص اندلاع انتفاضة ثالثة أصبحت أعلى مما كانت عليه في أي وقت منذ سنوات". وقد أدى هجوم "حماس" في 7 تشرين الأول (أكتوبر) ورد فعل إسرائيل العنيف عليه إلى زيادة هذه الاحتمالات بشكل كبير.
المقاومة والتعاون
تولى محمود عباس قيادة القيادة الفلسطينية في أعقاب وفاة الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات في العام 2004. وحدث هذا التحول خلال الانتفاضة الثانية التي اندلعت في الفترة من العام 2000 إلى العام 2005 ثم تلاشت ببطء. وكان عرفات يرى في "حماس" سلاحاً يمكن استخدامه ضد إسرائيل، حيث يمنح المنظمة مساحة للعمل عندما يريد الضغط على إسرائيل، لكنه يكبح جماحها عندما يريد تهدئة الوضع. وكان يعتقد أنه يستطيع سحقها متى شاء.
لكنَّ "حماس" سرعان ما أصبحت أقوى من أن يمكن السيطرة عليها. واكتسبت الجماعة المسلحة مصداقية كبيرة بسبب هجماتها المتكررة على إسرائيل خلال الانتفاضة الثانية، بينما استسلمت السلطة الفلسطينية للفساد والاقتتال الداخلي. وكان عباس يفتقر إلى الكاريزما والشرعية الثورية اللتين تمتع بهما عرفات، كما أدى صعوده إلى سدة السلطة إلى المزيد من إضعاف شعبية السلطة الفلسطينية، في حين أصبحت "حماس" تشكل تحديًا قوياً لحكم عباس.
مع تغير السياسة الفلسطينية، تضاءلت الآمال في تحقيق السلام. فقد خرج الإسرائيليون من عنف الانتفاضة الثانية معتقدين بأن التنازلات والبحث عن السلام سيقابَلان بمزيد من العنف. واعتقد الفلسطينيون أن إسرائيل وطنت نفسها على الاحتلال والضم البطيء للضفة الغربية. وبسبب هذا الشعور بالمرارة، عندما انسحبت إسرائيل من غزة في العام 2005، فعلت ذلك من دون استشارة عباس أو الزعماء الفلسطينيين الآخرين الراغبين في صنع السلام، في لفتة متعمدة من عدم الاحترام. ونتيجة لذلك، تمكنت "حماس" من نسبة الفضل إليها في ذلك الانسحاب، مشيرة إلى أن تهديد العنف الذي لا يلين، وليس المفاوضات، هو الذي دفع إسرائيل إلى سحب قواتها من القطاع. وساعد الاحترام الذي اكتسبته "حماس" بسبب هجماتها وسجلها كمنظمة أقل فسادا نسبيا على فوز الحركة بالانتخابات في غزة في العام 2006، ثم الاستيلاء على السلطة بعد صِدام مع "السلطة الفلسطينية" في العام 2007.
منذ ذلك الحين، حكمت "حماس" غزة، على الرغم من أن إسرائيل والولايات المتحدة ودولاً أخرى لم تعترف بها كحكومة. وكانت السلطة الفلسطينية تنظر إلى "حماس" كمنافس لها، بينما رأت إسرائيل فيها عدوا. وقد تعاونت "السلطة" وإسرائيل بشكل متكرر ضد المنظمة. وكثيراً ما حاولت الدول العربية، وخاصة قطر وتركيا، مساعدة "حماس"، لكن دولاً أخرى، بما فيها مصر المجاورة، اعتبرت "حماس" تهديداً محتملاً بسبب علاقاتها بحركة الإخوان المسلمين الأوسع، التي تعتبرها الحكومة العسكرية في مصر خصمها الرئيسي. ومع ذلك، أثبتت "حماس" قدرتها على الصمود. ونظراً لجذور "حماس" العميقة في غزة، فإن الضغوط الاقتصادية الإسرائيلية والحملات العسكرية المنتظمة -ولو أنها كانت محدودة- لم تنجح في زعزعة قبضتها على السلطة. وبدا أن وضعا راهنا قلقا أصبح سائدا: السلطة الفلسطينية تحكم الضفة الغربية، و"حماس" تحكم غزة. وكان كل طرف ينظر إلى الآخر بعين الشك، لكنّ أيا منهما لم تتمكن من الحلول محل الأخرى.
يشعر قادة السلطة الفلسطينية بالقلق إزاء شعبية "حماس" بين الفلسطينيين، وخاصة خلال الأزمات مثل التي تحدث اليوم، عندما تكون "حماس" في مركز الاهتمام الفلسطيني. وتزعم منظمات حقوق الإنسان أن السلطة الفلسطينية تستخدم التعذيب والضرب والاعتقالات التعسفية لقمع التحركات التي يقوم بها أنصار "حماس" (وكذلك الخصوم الآخرون). ووفقاً لمعهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب، فإن السلطة الفلسطينية تهدد حتى أفراد عائلات خصومها السياسيين. ولدى السلطة الفلسطينية الكثير من الأعداء: العديد من الفلسطينيين يعتبرونها وكيلاً للاحتلال الإسرائيلي. وبالنسبة لأولئك الذين يعيشون تحت الاحتلال في الضفة الغربية، فإن الاختيار بين تحدي "حماس" لإسرائيل وتعاون السلطة الفلسطينية معها هو خيار سهل.
الخلافة
حتى قبل الهجوم الذي شنته "حماس" على إسرائيل في السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، كان الوضع في الضفة الغربية قابلاً للاشتعال. كان الغضب الفلسطيني شديداً من الاحتلال الإسرائيلي الذي لا نهاية له، وتوسيع المستوطنات، والمذابح التي يرتكبها المستوطنون الإسرائيليون. وأثبت هذا العام أنه أكثر فتكاً من العام 2022، الذي كان هو نفسه العام الأكثر دموية منذ سنوات. ومع مقتل المزيد من الفلسطينيين خلال العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، من المرجح أن تستمر الاضطرابات في الضفة الغربية في التصاعد، مما سيؤدي بدوره إلى المزيد من العنف الانتقامي الإسرائيلي. وستكون النتيجة دائرة شرسة خطيرة.
ولن تؤدي مثل هذه الدائرة سوى إلى المزيد من تعزيز قبضة "حماس"، كما فعل هجوم 7 تشرين الأول (أكتوبر). وقد صدم نطاق الهجوم وحجمه الإسرائيليين، وكان بلا شك ضربة قوية وُجِّهت إلى هيبة الدولة اليهودية وهالة المناعة التي لا تُقهر التي نسبتها إلى نفسها. ولكن، على الرغم من أن العديد من الفلسطينيين يدينون موت الأبرياء، فمن المرجح أن يشعروا بالفخر لأن إسرائيل، أيضاً، تشعر بالألم ولا تستطيع أن تتجاهل القضية الفلسطينية. وتصف الجماعات الفلسطينية وغيرها من الجماعات المناهضة لإسرائيل مثل هذا العنف بأنه "مقاومة"، وهي شيء له تقليد طويل بين الفلسطينيين. والآن، ترتدي "حماس" عباءة أبطال الماضي. وبقدر ما تفاخرت "حماس" بفائدة العنف في دفع إسرائيل إلى الانسحاب من غزة العام 2005، فإن النجاح الذي حققته "حماس" يتناقض بشكل حاد مع الفساد والتواطؤ الواضحين من جانب السلطة الفلسطينية.
حتى يتمكن من تعزيز شرعيته وتخفيف الغضب الفلسطيني، يتخذ عباس إجراءات خطابية ودبلوماسية. بعد انفجار المستشفى في غزة، اتهم عباس إسرائيل بارتكاب "جريمة حرب بشعة" وألغى اجتماعه الذي كان مقررًا مع الرئيس الأميركي جو بايدن، لعدم رغبته في الظهور بجانب زعيم الدولة التي يلومها العديد من الفلسطينيين على تمكين العدوان الإسرائيلي. ومن المرجح أن يزيد عباس من خطابه المعادي لإسرائيل والولايات المتحدة في الأيام المقبلة، وإطلاق حملة دبلوماسية لعزل إسرائيل واتخاذ إجراءات رمزية لقطع التعاون العلني معها. ويمكنه، على سبيل المثال، تعليق مشاركة السلطة الفلسطينية في اللجان التي تدير إمدادات المياه والطاقة مع إسرائيل وقطاع غزة. بل ويمكنه أن يدعي أنه يعلِّق التعاون الأمني مع إسرائيل في الضفة الغربية (على الرغم من أنه من غير المرجح أن ينهي هذا التعاون فعليا).
ومع ذلك، يواجه عباس والسلطة الفلسطينية أزمة خلافة. الآن، يبلغ عباس من العمر 87 عامًا، وهو مدخن شره، وليس لديه وريث واضح. وقام بخنق منافسيه من خلال منحهم القليل من فرص الظهور العام أو عدم الظهور على الإطلاق -ناهيك عن الفرص لتطوير مؤيديهم أو شبكاتهم السياسية. ولكن، قد تكون هناك بعد وفاته فُرَج سياسية. في الواقع، من الممكن أن يظهر العديد من القادة المتنافسين، وكل منهم لديه مركز قوة بيروقراطي أو جغرافي مختلف. والعديد من المتنافسين المحتملين هم جزء من الحرس القديم الذي حكم إلى جانب عباس، لكنَّ من الممكن أن يظهر زعيم جديد أصغر سناً -شخص يجلب معه منظوراً جديداً.
تشكل أعمال العنف الجارية حاليا في الضفة الغربية فرصة لهؤلاء القادة لمحاولة ترسيخ وجودهم تحسبًا لرحيل عباس في نهاية المطاف. وقد يسعى القادة الجدد إلى الحصول على أوراق اعتماد قومية من خلال السماح بشن هجمات على المستوطنين أو الجنود الإسرائيليين -أو حتى التحريض عليها. وكوسيلة لتشويه سمعة المنافسين الذين يتعاونون مع إسرائيل، قد يؤدي ذلك أيضاً إلى إثارة المشاعر الشعبية ضد عنف المستوطنين، والقيود الإسرائيلية المفروضة على حياة الناس، وقتل المدنيين في غزة. وهناك مصدر قلق أكبر يتمثل في أن السلطة الفلسطينية التي فقدت مصداقيتها بالفعل سوف تصبح أضعف وأكثر انقساماً. ويخشى الإسرائيليون أن تستغل "حماس" النزاع على الخلافة لتعزيز قوتها، بما في ذلك محاولة السيطرة على الضفة الغربية.
الطريق في الأمام
بالنسبة للولايات المتحدة، لا شك في أن هذا المسار مقلق للغاية. لكن واشنطن ليست بلا موارد. وعندما تجري المفاوضات حول كيفية إنهاء الحرب في غزة وتزويد القطاع بالدعم الإنساني، يجب على واشنطن تسهيل مشاركة السلطة الفلسطينية لزيادة صلتها ومصداقيتها.
ويجب على إسرائيل أن تتخذ إجراءات صارمة ضد الأعمال العدائية التي يمارسها مجتمع المستوطنين من خلال توجيه عملاء الاستخبارات وكوادر إنفاذ القانون التابعين لها إلى رصد خطط المستوطنين لقتل ومضايقة الفلسطينيين المجاورين بقوة؛ بعبارات أخرى، من خلال معاملة إرهابيي المستوطنين بالطريقة نفسها التي تتعامل بها إسرائيل مع التهديدات الإرهابية الأخرى. ويتعين على إسرائيل أن تعتقل المستوطنين الذين يستخدمون العنف، وعليها أن تدافع عن الفلسطينيين ضد هجمات المستوطنين. ويهدد عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين الأبرياء بخلق أزمة في الضفة الغربية في وقت يتعين فيه على إسرائيل أن تركز على غزة وردع "حزب الله".
ولكن حتى لو نجحت إسرائيل في الحد من عنف المستوطنين والمساعدة على دعم السلطة الفلسطينية، فإن الغضب الفلسطيني مرتفع مسبقًا، وسوف تؤدي الخسائر الناجمة عن الغزو البري حتماً إلى زيادة غضبهم. وعلى المدى الطويل، لن يفعل الحد من العواقب المترتبة على أزمة غزة الكثير لاستعادة السلطة الفلسطينية المصداقية. وبما أنها لا توجد عملية سلام حقيقية أو أي أمل آخر في التوصل إلى تسوية عن طريق التفاوض، فإن الفلسطينيين سوف ينظرون إلى الجماعات التي تدعو إلى العنف -مثل "حماس"- كقادة أفضل، على الرغم من الدمار الذي تجلبه أعمالهم.
 
*دانييل بايمان Daniel Byman: هو زميل رفيع في "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية"، وأستاذ في كلية الخدمة الخارجية بجامعة جورج تاون.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Did Hamas Ignite a Third Intifada? It All Depends on the West Bank