عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    01-Aug-2020

سماجة التطبيع: أحدث دليل في المسلسل الطويل - مالك التريكي

 

القدس العربي - وصلتني رسالة تم تداولها على شبكات التواصل بشأن دراسة نشرها باحث سعودي في دورية أكاديمية إسرائيلية. تذكر الرسالة أن عنوان الدراسة هو «يهود جزيرة العرب واضطهاد محمد لهم» وأنها تتهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالعدوانية وبمعاداة السامية وبتأجيج الصراعات الدينية مع اليهود، كما أنها تدعو الحكومة السعودية إلى فتح باب الزيارة والهجرة أمام اليهود وإلى الموافقة على إعادة توطين الراغبين منهم في «العودة» إلى الجزيرة العربية، بدءا بالمدينة المنورة. ثم تقول الرسالة إن هذه الدراسة تشبه، من حيث الأهمية التاريخية، وعد بلفور!
كما تتضمن الرسالة في الختام رابطا يحيل إلى مقالين صحافيين بالانكليزيّة يلخصان محتوى الدراسة، ويتضمن أحد هذين المقالين رابطا لنص الدراسة كاملا. ولكن بما أنه مكتوب بالعبرية، التي أجهلها، فلم يكن من الممكن تبين مدى صحة الاتهامات الواردة في الرسالة العربية، ولا معرفة فحوى ما كتبه الباحث محمد إبراهيم الغبان الذي يعمل أستاذا للغة العبرية والدراسات اليهودية في كلية اللغات والترجمة بجامعة الملك سعود. ولربما يتاح لأحد مراسلي «القدس العربي» وكتّابها في فلسطين المحتلة أن يطلع قراء الجريدة على حقيقة ما ورد في هذه الدراسة.
على أنه يبدو، في ضوء المعطيات المتوفرة الآن، أن الدراسة تندرج في سياق الجدل التاريخي المتجدد الذي فرضته الافتراءات والأباطيل التي ألغت حقيقة محمد التاريخي لتكرّس «أسطورة ماهومات» الخرافي التي لا تزال رائجة في الغرب منذ القرون الوسطى إلى اليوم. أي أن الظاهر أن الغبان يتصدى لمهمة دحض هذه الأباطيل لأن عنوان دراسته، حسب الترجمة الانكليزية، هو «مساهمة في تحسين صورة النبي محمد في أعين الجمهور الإسرائيلي: عهود محمد ومراسلاته مع اليهود في شبه الجزيرة العربية» (وهذا مناقض تماما للعنوان الاتهامي الذي أوردته الرسالة العربية!). وترمي الدراسة، حسب الاقتباسات الواردة في المقالين، إلى «تصحيح التصورات الخاطئة حول نشأة الإسلام» و»الفهم المغلوط للمخطوطات» المنسوبة إلى الرسول الكريم. ذلك أن الغبان يرى أن سبب هذه التصورات الخاطئة لدى اليهود هو أن معاهدات النبي ومراسلاته مع قبائل اليهود (بني قريظة، بني النضر، بني قينقاع…) لم تترجم إلى العبرية. ولهذا فإنه عمد، علاوة على كتابة دراسته بالعبرية، إلى إنجاز ترجمة عبرية لهذه الرسائل والمعاهدات.
 
إذا كانت قراءة هذا الكاتب الإسرائيلي لدراسة الغبان لم تمنعه من التمادي في ترويج الأباطيل التي يتوارثها اليهود والغربيون عن الرسول صلى الله عليه وسلم، أفليس هذا أقوى دليل على أن الباحث السعودي لم يحقق إلا عكس الغاية المرجوة؟
 
وبالارتكاز على هذا الأساس التاريخي المدعم بالأدلة النصية، يخاطب الغبان الجمهور الإسرائيلي في مسعى لإقناعه بحقيقة أنه قد كان «للنبي محمد علاقات حسنة مع اليهود» وأن أسباب مواجهاته معهم لم تكن دينية وإنما كانت أسبابا سياسية بحتة. ويضيف أن من الخطأ «اتهام الإسلام والرسول بالعنصرية وبإشاعة خطاب الكراهية ضد اليهود في شبه الجزيرة العربية (..) فقد كان النبي يعامل جميع الأقوام والطوائف، أيا كان انتماؤها العرقي والديني، بالقسط والإنصاف سواء في المدينة أم في بقية المناطق التي كانت تحت إمرته».
هذا ما يبدو من أحد المقالين بالانكليزيّة. وهو مقال هادئ اللهجة يركز في عنوانه على أن نشر دراسة سعودية في دورية إسرائيلية هو سابقة تاريخية، وينقل عن مدير مركز روزنفلد للأبحاث في جامعة تل أبيب القول إنه يأمل أن يكون «التعاون الأكاديمي خطوة على طريق التعاون الاقتصادي والسياسي» بين السعودية وإسرائيل. أما المقال الثاني فهو من جنس مقالات الصحافة الصفراء، حيث أن كاتبه يكرر جملة من الأباطيل: مثل أن «كل من عارض النبي في الدين أو في السياسة قد انتهى به الأمر إما قتيلا أو أسيرا»، ومثل أنه «ليس من قبيل الصدفة أن يبدو القرآن كأنه صيغة معرّبة من التوراة»، ومثل أنه «لما رفض اليهود الاعتراف بمحمد خاتما للأنبياء أعمل فيهم السيف فقتل الرجال وسبى النساء”.
؟لهذا، بصرف النظر عما إذا كانت دارسة الباحث السعودي صادرة عن همّ فكري خالص لا دخل فيه للاعتبارات السياسية أم كانت مجرد عرض من أعراض حمّى التطبيع التي انتابت ببؤسها وسماجتها بعض أنظمة الحكم في الخليج، فقد وجب السؤال: إذا كانت قراءة هذا الكاتب الإسرائيلي لدراسة الغبان لم تمنعه من التمادي في ترويج الأباطيل التي يتوارثها اليهود والغربيون عن الرسول صلى الله عليه وسلم، رغم أن الغاية من نشر الدراسة بالعبرية هو دحض هذه الأباطيل تحديدا، أفليس هذا أقوى دليل على أن الباحث السعودي لم يحقق إلا عكس الغاية المرجوة؟ ثم أليس هذا أحدث دليل، ضمن مسلسل طويل، على عدم جدوى هاتيك التمارين الأكاديمية والإعلامية المجانية التي تستظلّ بعنوان «حوار الحضارات»؟