عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    29-Oct-2020

أرقام*عبدالهادي راجي المجالي

 الراي

.. أتسمر في الساعة الخامسة عند التلفاز, كي أشاهد حصيلة كورونا..وأكون على قلق خوفا من رقم صادم أو مفاجىء..وحين يعلن الرقم ينطلق صوتي في المنزل, والخذلان الذي أحس به هو ذات الخذلان..الذي يداهمك حين يتعرض المنتخب الوطني لهدف مفاجىء في الدقائق الأخيرة, أو حين تذهب لاستلام الراتب وتكتشف أن نصفه محسوم..أو حين تذهب للمطار من أجل استقبال عزيز عليك, وتنتظره..وتكتشف أنه لم يأت.
 
هو ذات الخذلان الذي يصادفك أيضا حين تذهب للجنوب فرحا مبتسما, وعلى الطريق الصحراوي, تنسى نفسك والأيام..وتكتشف أنك نسيت الإلتفاف لليمين من أجل الذهاب للكرك..وتسأل كيف تركت الطريق يأخذك بعيدا عن الكرك, هل خذلك الطريق أم العمر أم أنك تهت بالذكريات..ورجعت لطفولتك وصوت أبيك، ودخان سيجارته يتطاير...ونظرة الأم إليك..كل دقيقية, خوفا من عبثك بالأبواب..
 
هو ذات الخذلان..الذي صادفك في السنة الأولى من الجامعة, حين تركتك ليلى على باب الكلية, وغادرتك..كان الحب الجامعي الأول كذبة سخيفة, وقلبك كان غبيا..با إلهي كم هي قلوبنا غبية في العشق..وهو ذات الخذلان الذي جعلك يوما تذهب بسيارتك..من أجل لقاء صديق كان معك في الصف الأول الثانوي..وأخبروك أن شقيقه مات, وذهبت كي تقوم بواجب العزاء وتستعيد معه ذكريات التمرد والصخب..وحين تصل العزاء, تكتشف أن صديقك هو الذي مات..لكن من نقل لك المعلومة كان متسرعا..ثم تعود مكسور الجناح..وقد نسيت في لجة الحزن أن تسألهم كيف مات؟..وبقي السؤ?ل معلقا في ذهنك للآن.
 
هو ذات الخذلان, الذي أصابك..حين تسلمت أول راتب في الصحافة, ووضعته في جيبك وقررت الذهاب للبلد, قلت في داخلي يومها سأحتل مطعم (الأوبرج) احتلالا..وأفرض سطوتي عليه..وحين وصلت اكتشفت أن محفظتي سرقت في الباص، لا أعرف هل سرقت أم سقطت؟.. وضاع الراتب وصورة أمي, ورقم (تهاني)..كنت قد سجلته على ورقة وخبأتها في المحفظة, فقد اتفقنا أن اهاتفها الجمعة القادم..وهوية الأحوال المدنية, وورقة لمراجعة دائرة المخابرات مكتوب فيها رقم المكتب والساعة والتاريخ, وفقدت أيضا بطاقة عضويتي في الفيصلي..عدت يومها مشيا على الخيبات, في كل خط?ة يدوسك اليأس..وتغتالك الأحلام..
 
هو ذات الخذلان..الذي شعرت به يوما..حين مشيت للمطار, كان الرفاق سيأخذونني معهم لمصر, وقرأت موعد الإقلاع بطريقة غبية...وحين وصلت اكتشفت أنهم غادروا كلهم وتركوني, وصلت وسمعت إعلانا يقول: أن طائرة الملكية هبطت في مطار القاهرة.
 
الأرقام ليست وحدها هي الخذلان الوحيد الذي تصاب به كل يوم, بل الحياة صارت بحد ذاتها خذلاناً يعقبه خذلان..