الغد-عزيزة علي
صدر عن دار بيسان للنشر والتوزيع في بيروت، كتاب بعنوان "ألق الصمود وقلق المبادرات: الحرب على غزة 2014"، للكاتب السياسي رامز مصطفى جبارين، وكتب تقديما للكتاب أمين عام الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، الأسير القائد أحمد سعدات.
مؤلف الكتاب أهدى كتابه "إلى الأرواح المطهرة، والمجبولة بتراب الأرض وعشقه الأزلي. للذين تشرفوا وتشرفت باحتضانهم وحمايتهم والاستخفاء لديهم عن عيون حاقدة طالما كان قتل الأنبياء من شيمتهم.
منهم من غادرنا إلى الشهادة، ومنهم من ينتظر حتى تحقيق الأمل المعقود على المُعجل، إما شهادة، أو انعتاقا وحرية وحريرا وعودة واستقلالا وطنيا على كامل تراب تلك الأرض الطهور. فلسطين.
إلى كل سنديانات وطني أهديهم ما كتبت لأجلهم وأجلنا. على أن أكون قد ساهمت ولو بتواضع بما متوجب علي وهو اليسير، كما على كل فلسطيني قد قدمه أو يقدمه رخيصا في سبيل قضيته ووطنه التي نتوق جمعيا أن يضمنا ترابه ولو في حفرة تكون سكننا الأبدي.
كلمات حاولت من خلالها أن أضيء على جانب من العدوانية الصهيونية المتمادية ضد شعبنا في قطاع غزة، وهو عدوان متواصل ومتماد علينا أينما تواجدنا منذ ذاك الوعد المشؤوم في عام 1917.
هذا العدوان الذي أذاق فيه شعبنا ومقاومته الكيان الصهيوني المصطنع بأركان قيادته السياسية والعسكرية والأمنية، مر الهوان والخذلان، وحول فيها المقاومون الميامين أسطورتهم التي لا تقهر إلى مجرد سراب، وأحلامهم إلى مجرد أضغاث.
وهنا في ذات اللحظة لما تعنيه غزة من مقاومة، أتذكر، ومن مقع العارف الواثق، أن هذا البيان الشامخ للمقاومة بقواها وكتائبها، شيد على أعمدة وأساسات كان للشهيد جهاد جبريل "أبو جعفر"، بصماته الواضحة فيها كما للكثير من مناضلي شعبنا، فكان شهيد انتفاضة الأقصى الأولى الذي اغتاله الموساد في الشتات الفلسطيني في 20 أيار 2002.
لذات روحه الطاهرة السلام، ولدمائه ودماء سائر الشهداء الزكية الوعد والعهد أن نبقى تلك الدماء حبرنا الذي نخط فيه طريق عودتنا وانتصارنا واستقلالنا على كامل تراب وطننا فلسطين وعاصمتها القدس".
وفي تقديم الكتاب، يوجه القائد الأسير أحمد سعدات تحية لكل الشعب الفلسطيني في جميع أماكن وجوده، المتضامن مع الأسرى والمؤمن بعدالة قضيته الوطنية التي تستحق المزيد من التضحيات، مؤكدين أنه لا حياة مع الذل والهوان والاحتلال وسنواصل معركة الحرية والكرامة حتى الرمق الأخير.
أما بخصوص هذا الكتاب، فيقول سعدات "إن جماهير شعبنا تعلمت الكثير من الخبرة والدروس، الأمر الذي يدفعنا إلى إعادة تأكيد ما تعلمته من ملاحم الصمود الفلسطيني في محطات الثورة المتعاقبة، وإن شئنا الإمساك بمتن العنوان الذي هو ألق الصمود وقلق المبادرات: الحرب على غزة 2014، نقول إن الثورة تعلم من لم يتعلم بعد بمعزل عن موقعه في الهرم السياسي الاجتماعي، ومن لا يريد التعلم تفرض نفسها عليه وعلى أجندته وتجبره على مجاراتها والخضوع لقوانينها، وإذا أراد أن لا يتجاوزه التاريخ".
ويتحدث سعدات عن الحرب على غزة التي حصلت في العام 2014، مبينا أن الأسباب الحقيقية للعدوان على شعبنا لم تكن اختطاف المستطونين الثلاثة، بقدر ما كانت ذريعة اختبأت خلفها الحكومة الصهيونية، فطبيعة الكيان الصهيوني والدور الوظيفي المرتبط بالمصالح العليا للإمبريالية الذي يؤديه في المنطقة هما السبب، وإن كان هذا العامل يشكل الأساس والجوهر، لكنه يتجلى في كل محطة تاريخية بمظاهر متنوعة مرتبطة مباشرة بمستوى الصراع وتطوره واحتياجاته في كل وضع راهن.
وتحدث سعدات عن الأسباب الملموسة لتصعيد العدوان الصهيوني على جماهير شعبنا في فلسطين كافة، قائلا "إن الأزمة المستعصية التي يعيشها كيانه في هذه اللحظة، بمظاهرها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، سواء تجلت بعلاقاتها مع المجتمع الدولي الذي اكتشف منذ زمن زيف شعاراته التي يكثفها مثل شعار (الحق في الدفاع عن النفس)، باعتباره الضحية وليس الجلاد، وهذا يفضح زيف سياساته لقطاعات واسعة من الجمهور الشعبية على امتداد الكون، وليس فقط الدول الإمبريالية المهيمنة على القرار السياسي الدولي التي تدرك طبيعة هذه الحقيقة، خصوصا وأنها ساهمت بإنتاج ورعاية هذا الكيان الوظيفي وزرعته في قلب المنطقة العربية".
يرى سعدات أن الاحتلال سعى لحرف الأنظار عن انتهاكاته وتجاوزاته للأعراف والقوانين الدولية، والتعتيم على مسؤوليته المباشرة في إغلاق كل الأبواب أمام أي تسوية متوازنة تستند إلى قرارات الشرعية الدولية، وفضلا عن سعيه لإجهاض مقدمات التوافق الفلسطيني الداخلي وإعادة التناقض للداخل الفلسطيني وتكريسه وتعميقه، خصوصا بعد أن اعترف العالم بحكومة التوافق الوطني، بما في ذلك الأميركية.
ويقول سعدات "إذ كانت هذه الهجمة المسعورة، الجديدة في شدة وتيرتها واتساع مداها، فقد بدأت في الضفة الغربية وامتدت إلى أجزاء من فلسطين عام 1948، وانقلب السحر على الساحر، بخاصة بعد التحول النوعي في المزج والموقف الدولي حسب جرائمه المرتكبة وسلسلة الإجراءات العقابية الجماعية لشعبنا وانفلات غطرسة وعدوان قطعان مستوطنيه، واختطاف الفتى المقدسي محمد أبو خضير وإحراقه حيا، فإن هذا التحول فرض عليه توسيع عدوانه، وإعلان الحرب المفتوحة على المقاومة وعلى جماهير شعبنا في القطاع".
ويرى سعدات، أنه على الرغم من حجم الدمار وغزارة الدم المسفوح من أطفالنا ونسائنا وشيوخنا والتخريب المنهجي الحاقد لكل مقومات الحياة في القطاع الباسل، وعلى الرغم من هذه الحقيقة المرة التي تفرضها موازين القوى غير المتكافئة بين طرفي الصراع، غير أننا نستطيع التأكيد والجزم أن حكمة الاحتلال لم تحقق أيا من أهدافها المعلنة، وخرج شعبنا الباسل شامخا مرفوع الرأس، وقد عكس صلابة المقاومة وتطور أدائها ومستوى استعداداتها وجهوزيتها وفاعلية دورها، وقدرتها، بالمعنى النسبي، على فرض معادلة توازن الردع بينها وبين الاحتلال.
ويشير سعدات إلى أن الاحتلال خسر، منذ زمن، ما يسميه في قاموسه السياسي الهمجي "قوة الردع"، ومحاولته إعادة الاعتبار لهذه المقولة باءت بالفشل الذريع، كما عجز عن إيقاف الصواريخ أو الحد من مداها وتفادي الخسائر النوعية في آلياته وجنوده، أو إخراج الحكومة من أزمتها المستعصية داخل الائتلاف وفي علاقاتها مع جمهور المستوطنين، وألحقت جرائمها بحق أبناء شعبنا العزل من تفاقم أزمتها مع المجتمع الدولي، واتسع نطاق الحصار الدولي المفروض على كيانه العنصري وسياسة حكومته، الأمر الذي تجلى بحجم وسعة التحركات الشعبية الدولية المناصرة لشعبنا والمقاطعة الاقتصادية لمنتوجاته، وبخاصة تلك التي تنتجها المستوطنات.
فيما قال جبارين، في تمهيده للكتاب، إن الحرب "الإسرائيلية" الثالثة التي حصلت في تموز 2014، هي الأطول حتى الآن على مدار عقود الصراع العربي-الصهيوني، والتي استمرت 51 يوما، مبينا أن هذه الحرب أظهرت فشل العدوان الصهيوني في تحقيق أي من أهدافه العسكرية والأمنية على قطاع غزة، فلا المقاومة انكسرت، ولا العدو تمكن من ترميم قوة الردع لديه، على الرغم من حجم الدمار الهائل، وسقوط الآلاف من الشهداء والجرحى، وتشريد مئات الآلاف من بيوتهم. وبقيت المقاومة على قوة وأثبتت حضورها الميداني في الرد على العدوان حتى الساعة الأخيرة من اليوم الواحد والخمسين للحرب المجرمة.
ويرى المؤلف، أن قادة الكيان الصهيوني قد وصلوا إلى قناعة بأن الحرب على المقاومة في قطاع غزة، لن توصلهم إلى مبتغاهم في قصم ظهرها، وأقر معظمهم استحالة نجاح أي عملية، لذلك انهالت التوصيات من قبل مختلف القيادات العسكرية والأمنية بضرورة البحث عن وسائل بديلة تؤمن للكيان الصهيوني الأمن والأمان، وهذه التوصيات استدعت فتح قنوات اتصال مع حركة حماس عبر وسطاء دوليين، بهدف البحث في إمكانية التوصل إلى تهدئة مستدامة مقابل سلة من المغريات والحوافز الاقتصادية والتنموية، وإعادة إعمار القطاع ورفع الحصار عنه، مما يتيح للكيان إعادة سيناريو استدراج منظمة التحرير إلى مربع التسوية السياسية التي انتهت إلى ما نعايشه من كارثة وطنية.
وخلص جبارين إلى أن السؤال الذي يتردد على ألسنة الكثيرين؛ لا شك أن المقاومة في حربها المفروضة عليها وعلى شعبها، قد انتصرت عسكريا، ولكن أين تثمير هذا الانتصار ببعديه السياسي والوطني؟ وما الذي تخبئه الدوائر الغربية والإقليمية لقطاع غزة ومقاومته؟ الأمر الذي يحول ألق الانتصار إلى قلق المبادرات.