عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    27-Feb-2020

رفقًا بالعكوب* رمزي الغزوي
الدستور - 
ربما سنختلف قليلاً على الزعتر، إن كان يلفظ بالصاد (صعتر)، أو بالسين (سعتر) أو بالزين (زعتر)، ولكننا سنتوحد روحاً واحدة على أن رائحة هذا النبات تخلد في البال لسنوات طوال، دون أن يبددها عطر؛ مهما تركّز فيه نسغ الورد. فما زالت في أم رأسي، وبما يشبه حلماً دنا حتى غدا قاب رمشتين. ما زال في نفسي رائحة زعتر تشربتها ذات طفولة بصحبة جدتي. رائحة تدركها حتى لو كنت مزكوماً من مسافة مئة متر، أو أشهى بكثير.
أهلنا كانوا يسمونه (الزعتر الفارسي)، وكان غير مدجن، في ضيق الحواكير، أو الحدائق والمزارع، ولا ربيب أصص وقواوير الزريعة على الشرفات ومداخل البيوت، بل كان برياً منطلقاً مثل صهيل جامح، وكان لاذعاً، يمتلك ورقاً صغيراً إبرياً، لكنه ومع كثير من الأسف انقرض من بلادنا كلياً، ولم يعد له وجود يذكر إلا في أحواض حدائق بعض الناس.
بالطبع لم يتعرض زعترنا لهجوم نووي، ولا إلى حرب كيميائية، ولم يسقط عليه نيزك خنق جذوره وبدد أوراقه، بل نحن مسحناه عن أرض وجودنا بأيدينا وجهلنا وغوغائيتنا، حين مارسنا عليه حصداً جائراً، فقلعناه من جذوره، ومع السنوات غدت أرضنا بلا عطره الفواح. رحم الله جدتي، حين كانت تعلمنا ألا نقرب جذراً للزعتر، وأن نكتفي بأوراقه، لندعه يتجدد.
نحن ينقصنا التعامل الصحيح مع الطبيعة، ونباتاتها البرية، سيما أن كثيراً من الناس، وفي القرى والأرياف خصوصاً، سيهيمون في البراري في هذه الأيام للبقل والتبقيل (أي الخروج للبرية لجمع نباتاتها)، ولهذا أتوقع آسفاً أن تنقرض كثير من النباتات البرية، وتنضم إلى قافلة الزعتر: مثل العكوب، واللوف واللسينة والقائمة تطول، ولهذا مطلوب من وزارة الزراعة والجمعيات البيئية، أن تلتفت إلى هذا الأمر الخطير، وتحاول استنبات الزعتر وغيره من النباتات التي انقرضت وإعادتها إلى جبالنا وبريتنا من جديد، ثم تنشر الوعي اللازم عبر الوسائل الإعلامية تشرح وتوضح الطريقة المثلى للتعامل معها.
أتوقع آسفاً أن ينقرض (العكُّوب) من جبالنا وسهولنا في ظرف سنوات قليلة. والعكوب لمن لا يعرفه نبات بري شوكي، له جذورٌ فلينية، تأخذ شكل الكعب، وأخمّن أنه أخذ اسمه من هذه الصفة. البعض من الناس تتعامل مع هذه النبتة الطيبة بطريقة جائرة متوحشة، فتقلعها بالفؤوس دون رحمه. وهذا النبات تحديدا إن قلع كعبه فلن يتجدد. وسلام على أمنا الأرض، إذا تتغمدنا بالخيرات والمسرة.