عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    04-Sep-2024

إسرائيل تغرق في حروب استنزاف

 الغد- يديعوت أحرونوت

 
بقلم: ميخائيل ميلشتاين  3/9/2024
 
خط مباشر يربط بين كل الأحداث التي تهز إسرائيل في الأسبوع الأخير: التصعيد المتزايد في الضفة، وفي مركزه حملة "مخيمات صيفية" في السامرة؛ المواجهة المتواصلة في الساحة الشمالية، التي سجلت ذروة في احباط هجمة الثأر لحزب الله؛ والمعركة "الاعتيادية" في غزة، التي تجري على خلفية البحث العاصف حول التمسك الإسرائيلي بمحور فيلادلفيا وفي مركزه – قتل ستة المخطوفين على أيدي حماس في منطقة رفح.
 
 
من عموم الأحداث تنعكس صورة دولة عديمة الإستراتيجية تحركها قوة منطق جمع إنجازات عسكرية، لكن بدون شرح كيف تتراكم إلى تحسين الوضع العام الآخذ في التدهور. هذه الصيغة معروفة لحروب استنزاف يرفرف فوقها أعلام رئيس الوزراء الذي ينبع في معظمه من اعتبارات سياسية وبموجبه سيتحقق أخيرا "نصر مطلق" لكن الأمر يتطلب وقتا، واساسا مزيدا من التضحية من جانب الجمهور.
في الضفة دفعت إسرائيل قدمها لأكبر الحملات منذ السور الواقي في 2002. ومن خلف التباهي "المبرر" بالمس بمحافل يوجد واقع بشع: التهديدات المتزايدة عمليا، والضفة الموجودة في "الجنينية"، في ظل ضعف السلطة وتعزز حماس التي تسعى لفتح جبهة مواجهة أخرى بالتوازي مع غزة. ان الخروج إلى حملة جديدة – بقوة وعلى نطاق أوسع من النطاق الحالي – هو مسألة وقت. استيقاظ منطقة الخليل التي قتل فيها أول من أمس ثلاثة من أفراد الشرطة ومنها خرجت عملية التفجير في غوش عصيون، والمعروفة كمعقل حماس، من شأنها أن تلمح ببؤرة المواجهة التالية.
التحدي في الضفة ليس فقط الأمن الجاري بل إستراتيجي بعيد المدى. فبرعاية جز العشب الأمني يجري الدفع قدما بتغيير عميق للواقع في المنطقة، وأساسا بدفع من الوزير سموتريتش. فقد وصف قبل 7 أكتوبر السلطة كعدو وحماس كذخر، ويعلن بان تطلعه هو لانهيار الحكم في رام الله. وكما يشهد هو عن نفسه، في ظل الحرب نشأت فرصة لتغيير الـ دي.ان.ايه للضفة (بتأييد من رئيس الوزراء)، الأمر الذي يتم ضمن أمور أخرى من خلال السيطرة على مراكز في الإدارة المدنية مما يسمح بتوسيع الاستيطان. على حد قوله، حتى لو سقطت الحكومة، فان الواقع سيكون لا مرد له ولن يكون ممكنا تحقيق أي شيء باستثناء خطة الحسم التي وضعها في 2017 وغايتها – دمج الضفة بإسرائيل.
لغياب إستراتيجية في غزة تداعيات مأساوية على نحو خاص. إسرائيل تبرز نجاحات عسكرية واسعة وفي مركزها تصفية كبار رجالات حماس وضرب البنى التحتية للمنظمة، لكن بدون شرح كيف تؤدي كل هذه الى تقويض حكمها لتحرير المخطوفين. ومرة أخرى الحساب يفشل بدلا من ان يساعد في الكشف الدقيق للواقع او في استهداف حل. من خلف الضربات التي تتلقاها حماس توجد الحقيقة البشعة وبموجبها ما تزال هي الجهة السائدة في غزة ومواقفها بالنسبة للصفقة لا تلين. بخلاف الصورة السائدة في إسرائيل حول منظمة أساس قوتها عسكري، الحديث يدور عن كيان ايديولوجي ذي سيطرة جماهيرية عميقة. لاجل تقويضها مطلوب احتلال كل غزة والبقاء فيها، السيناريو الذي على ما يبدو لا تريده إسرئيل أو لا يمكنها أن تحققه الآن.
الاستنزاف في ساحة لبنان يجبي هو أيضا ثمنا إستراتيجيا محملا بالمصيبة. هذه معركة يتمسك فيها الطرفان بمعادلات خطيرة تتمثل بعدم الوصول إلى تصعيد، الوضع الذي يوجد في تناقض تام مع اصطلاح الحسم. برعاية تلك المعركة – وتلك في غزة وفي الضفة – فإن النفوذ الإقليمي في إيران يتعاظم وهي تقترب من مكانة دولة حافة نووية. ومن خلال اشعال وتغذية ساحات الاستنزاف المختلفة تضمن طهران ان تواصل إسرائيل الانهاك في مواجهات قريبة ولا تركز على التهديد الوجودي الحقيقي عليها. إن الحرب المتواصلة منذ 11 شهرا أدت منذ الان الى تغييرات جغرافية وديمغرافية بين البحر والنهر. في غزة شطبت معظم الحدود والسكان الفلسطينيين في المنطقة يعدون منذ الآن نحو 8 في المائة أقل مما كانوا في 7 أكتوبر (أساسا بسبب هروب السكان)؛ في الغلاف وفي حدود الشمال هجرت بلدات ونزح جموع المواطنين من بيوتهم؛ وفي الضفة، كما اسلفنا، يتسع البناء وحجم السكان اليهود بقوة هدف أيديولوجي لجهة في الائتلاف ليست الحزب الحاكم، والتي مشكوك فيه أن تكون أحداثها تحظى بتأييد أغلبية الشعب.
في نهاية الحرب الحالية – التي لا تبدو في الأفق، - من شأن إسرائيل أن توجد في واقع استراتيجي صعب على نحو خاص: في ظل تهديد إيراني متعاظم، وفيما هي قريبة أكثر من أي وقت مضى من وضع دولة واحدة، أي بدون فاصل مادي بين شعبين العداء بينهما بلغ ذروة تاريخية في اعقاب المواجهة الحالية. في مثل هذا الوضع فإن استراتيجية مرتبة للمدى البعيد هي ضرورة وجودية. خطوة كهذه تتحقق فقط من خلال تحطيم التكرار الضار لمعارك الاستنزاف في عموم الجبهات، وبخاصة في غزة وفي الشمال. الاستنزاف ليس مرحلة في الطريق الى النصر المطلق، الذي مثل الأفق يبتعد عن متناول اليد. البديل للغرق في معارك ساحقة، ضارة وعديمة النهاية المحددة هو صفقة رغم اثمانها الأليمة. الصفقة ستسمح بتحرير المخطوفين والتفرغ لترميم وطني متعدد الابعاد بما في ذلك انعاش القيادات في عموم المستويات التي فشلت في 7 أكتوبر ومحظور أن تواصل تصميم الواقع والمستقبل.