عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    08-Sep-2025

الضفة الغربية بين الضم والاعتراف بالدولة الفلسطينية*د.عامر سبايلة

 الغد

مع التحرك الإسرائيلي لاجتياح مدينة غزة وإعلان نية ضم الضفة الغربية، تدخل المنطقة في مخاض التحول الأبرز منذ بداية التغيرات التي جاءت على خلفية هجوم السابع من أكتوبر.
 
 
فالتحول في أسلوب التعامل الإسرائيلي مع غزة، الساعي إلى إنهاء وجود حماس، ترافق مع خطوات تصعيدية واسعة في الضفة الغربية. وهذه الأخيرة لا تبدو مجرد عمليات عابرة، بل ملامح لإجراء نهائي يستهدف القضية الفلسطينية برمتها. وهو ما يدفع دولاً عربية للبحث عن صيغة إنقاذ سياسي عبر السعي للحصول على اعتراف دولي بالدولة الفلسطينية.
الموقف العربي الذي تقوده السعودية شكّل في الفترة الأخيرة نواة لتحرك جاد، فيما جاءت الإشارات من أبوظبي، خصوصاً بعد زيارة رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد إلى الرياض ولقائه بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، لتضيف بعداً آخر. إذ يمكن أن تمارس الإمارات ضغطاً مختلفاً على إسرائيل، خاصة عبر التلويح بوقف العمل بالاتفاقيات الإبراهيمية وما يرتبط بها من علاقات اقتصادية حالية ومستقبلية.
صحيح أن الاتفاقيات الإبراهيمية تعد نموذجاً غير مسبوق بالنسبة للإسرائيليين، وإنجازاً شخصياً لنتنياهو الذي رأى فيها بديلاً عن استحقاق السلام مع الفلسطينيين، فإن التلويح بإلغائها أو تجميدها يشكّل ضربة مباشرة له ويضعه تحت ضغوط كبيرة. غير أن المشهد السياسي اليوم لا يمكن فصله عن التحولات الكبرى التي فرضها السابع من أكتوبر، حيث تصدّر الهاجس الأمني والإحساس بالتهديد الوجودي لدى الإسرائيليين، وهو ما وفر غطاءً لتبني إجراءات غير مسبوقة تحت شعار تأمين إسرائيل ومنع أي تهديد مستقبلي.
في هذا السياق، برزت الاستراتيجية الأمنية الإسرائيلية القائمة على إعادة ضبط الحدود ومنع استغلال الجغرافيا المحاذية من أي طرف معادٍ، وهو ما يبرر البحث عن تحالفات مشابهة لتجربة سورية. لكن في حالتي غزة والضفة، فقد وجدت الأجندة اليمينية فرصة مثالية لفرض رؤيتها السياسية المتناغمة مع هذه الاستراتيجية، خاصة في ما يتعلق بتغيير معالم الجغرافيا وفرض وقائع ديموغرافية جديدة تحت ذرائع أمنية، أي تطبيق استراتيجية تقوم على التغيير الجغرافي والتفريغ الديموغرافي. وبذلك، تبدو الأولويات الإسرائيلية اليوم منصبة على تثبيت واقع ميداني جديد أكثر من الحرص على اتفاقيات سلام، خصوصاً تلك التي يمكن تصنيفها كسلام اختياري مثل علاقاتها مع بعض دول الخليج. بل إن هناك من يرى أن بدائل هذا السلام متعددة، من خلال فتح قنوات مع دول إسلامية سنية وشيعية أخرى مثل إندونيسيا أو أذربيجان، بما يبقي فكرة الاتفاقيات الإبراهيمية حية حتى إن تعرضت لهزات مع الدول العربية الموقعة عليها.
إدراك أن الأمن بات يتصدر المشهد الإسرائيلي على حساب السلام يمنح الأجندة اليمينية فرصة لتنفيذ خطوات يصعب التراجع عنها لاحقاً، وصولاً إلى شرعنة إعلان ضم الضفة الغربية أو أجزاء منها كرد فعل على محاولات الاعتراف بالدولة الفلسطينية. تصريحات وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش المتكررة تعكس هذا التوجه الذي قد يقود إلى فرض واقع جديد على الأرض على حساب أي سلام افتراضي أو اختياري.
أما من زاوية واقعية، فالمشهد تعقده مظلة الدعم الأميركي المطلق للسياسات الإسرائيلية، ما يجعل هامش التعامل مع هذه التحركات محدوداً. ومع أن موقفاً عربياً موحداً قد يشكل عاملاً مهماً إذا ما استخدمت كل دولة أوراقها المتاحة، إلا أن ذلك يتطلب وعياً وتنسيقاً عميقاً في كيفية توظيف هذه الأوراق بأسلوب جمعي متناغم يحقق أثراً ملموساً. فالمسألة ليست مرتبطة فقط بالتصريحات الإسرائيلية الرسمية حول ضم الضفة، بل بالخطوات العملية التي يجري تنفيذها فعلاً على الأرض، والتي يجب أن تكون محور أي تحرك سياسي عربي في المرحلة القادمة.