عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    28-Dec-2025

"من بيروت إلى غزة".. نصوص مختارة بين الشعر والنثر الفلسفي

 الغد-عزيزة علي

 يجمع ديوان "من بيروت إلى غزة: نصوص مختارة (2020–2025)"، للشاعرة سامية الصلح منكو، الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بين الشعر والنثر الفلسفي، ويعكس تجربة فكرية وأدبية عميقة.
 
 
ويقدم الديوان رؤية إنسانية متكاملة، تعالج الواقع اللبناني والفلسطيني والقضايا الإنسانية الكبرى، مستندة إلى ركائز الأدب الحديث في النثر من الواقعية والتجريب اللغوي، إلى الذاتية والرمزية والنقد الاجتماعي والتأمل الفلسفي. 
منكو في نصوصها تمزج بين الذات والمكان، بين الألم والأمل، لتجعل من الكتابة فعل مقاومة روحية، ومن النص نافذة يلتقي فيها القارئ بمشاعر وأفكار متعددة تعكس التجربة الإنسانية بكل أبعادها.
وكتبت وزيرة الثقافة السابقة هيفاء النجار مقدمة للديوان، مؤكدة أن كل سطر فيه دفعها للتوقف عند معانيه ودلالاته، وكأنها تطل من شرفة على بساتين حياة الكاتبة سامية الصلح منكو، حياة غرست فيها بذور العمر، يشبه عمرها قصيدة ملحمية روتها الأعوام وعرق السنين.
وأشارت النجار، إلى أن البوح في نصوص منكو يعمل كمرآة متعددة الأضلاع تكشف زوايا مسكوتا عنها عبر الزمن، مطلعة القارئ على لحظات مشرقة وأخرى موجعة تشكلت خلالها ملامح شخصيتها. فقد اختارت الشاعرة أن تخلع جلباب البروتوكول الرسمي لعائلتها الأرستقراطية، لتسعى لاكتشاف ذاتها وهويتها، كامرأة تحمل نصف العالم داخلها ويكتمل بالنصف الآخر.
وأكدت النجار أن فلسفة منكو تقوم على استقلالية الفرد، بعيدًا عن أي قرارات داخلية أو خارجية، مستندة إلى قناعة وجودية تعكس رؤيتها للحياة: "خُلِقْتُ لأنشأ كأحد صنّاع هذا العالم، وما خُلِقْتُ إلا لأكون".
ورأت النجار، أن خلف هذا الديوان طفولة عريقة قضتها الكاتبة في قصور الأجداد، لكنها لم تجعلها مدللة، بل عززت وعيها بقيمة الحياة وبالقيم الأصيلة، ورسخت ارتباطها بالهوية العربية. وقد منحها هذا الإطار العزيمة والتصميم لتحقيق النجاح بالاعتماد على النفس، بعيدًا عن ثراء العائلة، وجعل من نهجها نهجًا نضاليًا في حياتها.
ورأت النجار، أن هذا المنهج أهّل منكو لتكون امرأة قوية، مثابرة في مواجهة التحديات، وقادرة على تحقيق أحلامها ورؤيتها. كما تصفها كرمز لوطن كاظم لجراحه، تحمل في أعماق روحها صوتًا داخليًا تتلاطم فيه الأفكار وتتألق المشاعر، لتشكل كلمات تعبر عن أعمق ما في الذات الإنسانية.
وأكدت النجار أن هذا الديوان ليس مجرد تجربة عابرة، بل قيمة إبداعية جادة تلتقط لحظات نادرة تتدفق فيها العواطف وتتكشف الحقائق. يشكل الديوان رحلة في عوالم النثر والشعور والتأريخ والوجع المكبوت، حيث تحولت المشاعر المكبوتة إلى أداة للتعبير عن أعمق ما في النفس الإنسانية، كما يوحي عنوانه "من بيروت إلى غزة: نصوص مختارة (2020–2025)".
وعزت النجار هذا الانزياح الواضح في النصوص إلى ما قصدته المؤلفة من انسياب الصوت الداخلي الخافت نحو الصوت الخارجي المعلن، وكأنها تؤكد أن اكتمال المشاعر الذاتية لا يتحقق إلا بذوبانها في شعور أسمى، قائم على حب الوطن، الأرض الأم. وقد بدا ذلك جليًا في الديوان من خلال نصوصه النثرية، إذ تتصدر لبنان بوصفها القضية الأولى.
وبينت النجار أن منكو تجعلنا نقف أمام نصوص لا تشبه إلا بيروت؛ مدينة الضوء والرماد، مدينة القيامة التي لا تموت. فالشاعرة، وهي تكتب، لا تكتفي بسرد الحكاية، بل تفتح الذاكرة على جرحها، وتترك اللغة تمشي حافية في دروب الوجع والجمال.
وفي كلماتها نسمع أنين المدن، ووصايا الأمهات، وارتعاش الأصابع التي تصر على الحلم رغم الخراب. وتبدو الشاعرة كمن يستعيد حق اللغة في أن تكون بيتًا للذاكرة، لا مرآة للخذلان. بين بيروت وغزة، بين الحب والسياسة، بين الضوء والفحم الأسود، تكتب كمن يمسك بجمرة، خشية أن تنطفئ قبل اكتمال النص.
وحين نختِم القراءة، ندرك أن هذه النصوص لم تُكتب بالحبر وحده، بل بنبض امرأة عاشت لتشهد، وكتبت لتحب، وآمنت بأن الكتابة خلاص للروح من رماد الأيام. وحين ترحل منكو روحًا لا جسدًا إلى وطنها، ترحل رسائلها معها، مرددة شوقها الدائم للوطن.
وأضافت النجار أن الشاعرة تكتب بيروت بوصفها مدينة تجمع النقيضين؛ مدينة النور والانكسار، تطل في نصوصها امرأة من نار ورجاء وقيامة لا تنتهي، كأن الشاعرة تمسك بيدها وتدعوها للنهوض من رمادها. وتبين أن المشهديات تتوالى عبر الصفحات بظلال داكنة يخرقها الأحمر رمزًا للألم الإنساني، ليتحول النص النثري في يد منكو إلى فضاء بصري وموسيقي، تتصاعد منه الأصوات نداءً عميقًا من الذاكرة لا ضجيجًا عابرًا.
في هذه النصوص يلتقي الشعر بالفلسفة، إذ تظهر منكو ككاتبة مفكرة تسعى إلى فهم الواقع اللبناني ومقاومته بالوعي، فيما تتجه في نصوص أخرى إلى غزة والسياسة، لا بخطاب مباشر، بل بوجدان إنساني يلتقط وجع اللحظة بعمق شعوري.
تتوالى الصفحات كمشهديات سينمائية، حيث تشير الشاعرة إلى فساد الطبقة السياسية، لكنها لا تستسلم، بل تدعو إلى رؤية تنقذ الإنسان وتعيد للكتابة معناها كفعل مقاومة روحية.
يقدم الديوان نصوصًا تختبر ثورة الغضب في وجدان الشاعرة، مؤكدة أن الكتابة ليست كلمات عابرة للسطور، بل مكوثًا أبديًا في فضاء الأدب المتراكم عبر الأجيال. وتعكس النصوص النثرية ركائز الأدب الحديث، بما يشمل الواقعية، والتجريب اللغوي، والذاتية، والرمزية، والتعددية، والنقد الاجتماعي، والتأمل الفلسفي، لتشكل رؤية متكاملة تجمع بين التجربة الفردية والتحليل العميق للواقع والحياة.
تشكل هذه الركائز أساس الأدب الحديث في النثر، ما أتاح للشاعرة التعبير عن أفكارها ومشاعرها بطرق مبتكرة. في ديوانها "من بيروت إلى غزة – نصوص مختارة (2020–2025)"، تقدم للقارئ خواطر نثرية تعالج قضايا إنسانية متنوعة مثل الحب والفرح والحزن والألم، مقدمة رؤية وتجارب وآراء تهدف إلى إثارة التفكير والتأمل.
تشكل خواطر منكو نافذة على عالم من المشاعر والأفكار، حيث يجد القارئ انعكاسا لذاته في النصوص. فهي ليست شاعرة تقليدية، بل كيميائية للمعنى تمزج بين الحبر والتراب والروح والمكان، لتجعل من اللغة مرآة للأرض والإنسان، فتكتب القصيدة كما تروي السيرة، وتروي الذات كما تُروى المدن.
وخلصت النجار، إلى أنه في كل نص تتجلى روح الأرض العريقة، فتظهر منكو شاعرة حياة لا تكذب على اللغة، وأديبة عربية تعيد تعريف الشعر كحالة وجودية، تفيض نورًا من قلبها لتضيء من حولها وتحافظ على شعلة الإنسانية متقدة وسط العتمة.