حرب غزة.. إعلام أحادي الجانب!*سمر حدادين
الراي
سيطرت الرواية أحادية الجانب على الإعلام وخصوصا في العالم الغربي خلال الحرب الوحشية عل غزة، وسقطت معها كل معايير المهنية وأخلاقيات مهنة الصحافة التي تبدأ بالموضوعية والنزاهة وعدم الانحياز والمصداقية وتنتهي بالحياد، هذه المعايير التي وضعت كنبراس يهتدي بها من يمتهن مهنة المتاعب، من أجل إيصال الحقيقة إلى المتلقي دون تزييف أو تلوين.
فما يقدمه الإعلام اليوم فيما يتعلق بالحرب على غزة بمعظمه هو نصف الحقيقة أو حقيقة خضعت لعمليات تجميل، تحاول أن تجمل الوجه القبيح لماكنة الحرب الصهيونية.
الحرب الوحشية على غزة أيضا، غيرت مفهوم حرية التعبير والرأي عند دول كانت تعتبر حامية وراعية لهذا الحق، وذلك من خلال التلاعب بهذا المفهوم عبر التضييق والتقييد الذي فُرض عليه، وهو الحق الذي عرفته المادة 19 بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بأنه لكل شخص حق التمتع بحرِية الرأي والتعبير، ولكل إنسان الحق في اعتناق الآراء دون مضايقة.
حيث تم (تقييف) هذا الحق في بعض الدول على مقاس مصالحها وأهدافها السياسية والاستراتيجية التي تخدم علاقاته مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، خوفا عل مصالحها الاقتصادية أو على نتائج صناديق الانتخاب الذي يتحكم بها اما مزاج اليمين المتطرف الكاره للآخر، سواء على أساس ديني أو عرقي، أو خشية من اللوبي الصهيوني، وبكلا الحالتين اختارت هذه الدول أن تمارس القمع للمظاهرات المؤيدة للشعب الفلسطيني بالتحرر وإقامة دولته على أرض فلسطين، وفي بعض الأحيان معاقبة من يخرج بهذه المظاهرات بالسجن.
وشاهدنا عدداً من وسائل الإعلام العالمية تتخذ إجراءات بحق إعلاميها المؤيدين لحق الشعب الفلسطيني ومناهضين للحرب الوحشية على غزة، حتى أن بعض منظمات الإغاثة الدولية في دولنا وضعت العاملين بها أمام خيارين، فإما إدانة حماس او فقدانهم وظائفهم.
وتمادت بعض الدول، حيث وضعت شرطاً على منح الجنسية، وهو إعلان مناصرة طالب الجنسية لإسرائيل، وهناك دول سنت قانوناً يعتبر أي أنتقاد لإسرائيل شكل من أشكال معاداة السامية، وهو ما يُعرض المنتقد للعقوبة وقد يُحرم من حقوقه.
بعد سقوط ورقة التوت التي كان يختبئ خلفها العالم الديمقراطي ويصطنع احترامه لهذه المبادئ دون تجرد، يجعلنا نقف ونفكر مليا ونتساءل، هل هذا ما نريده، وهل سيعود العالم مكانا آمنا لمن يقدم فكرة أو رأيا مغايرا للمجاميع، جميعنا يريد حريات لا تجاوز بها على الثوابت والمبادئ الإنسانية، علينا العمل سويا لحمايتها وإعادتها إلى مسارها الصحيح، ونحن بالأردن قادرون على أن نقود هذا التوازن، فلا يوجد بسجلنا إخفاء قسري أو قتل لصاحب رأي، ومياديننا لم يتوقف بها هدير الأصوات المؤيدة والمعارضة قبل حرب غزة وأثنائها.
علينا أيضا ان نضع استراتيجية إعلامية تساعدنا على تقديم رسالتنا الإعلامية بما يخدم مصالح الدولة العليا دون أن نفقد احترامنا وتمسكنا بمعايير المهنة الاخلاقية، فحرب غزة وطريقة تعامل الإعلام الغربي معه أثبت لنا بأن استقلالية الإعلام لا تتنافى مع دوره بأن يكون ذراع الدولة بالمنافحة عن مصالحها، وأحدى أدواتها في خوضها لأي مواجهة قد تفرض عليه.
كما أكدت هذه الحرب الوحشية أن الإعلام سلاح لا يقل أهمية عن الأسلحة الفتاكة، فهو يفتك بالعقل عبر بث الروايات المضللة التي تقود الرأي العام إلى وجهات تحرفه عن حقيقة الواقع، قد تدفعه أن يصدق ادعاءات غايتها إدانة الآخر.
ومن هنا يقفز السؤال التالي ألا وهو ماذا نريد من الإعلام، وكيف ممكن أن يحمل رسالة الدولة؟
سؤال مفتوح للتداول.