عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    18-Sep-2019

اللغة العربية في يومها العالمي.. هويتنا وجسر عبورنا إلى المستقبل

 

عمّان -الدستور-  نضال برقان - في لحظة ما تشعر أنّك تسير في بلد أجنبي، هذا ما توحيه إليك أسماء الكثير من المحال التجارية، ليس فقط في المناطق الفارهة من المدينة، بل حتى في مناطقها ذات الطابع الشعبية! فهذا صالون حلاقة في الحي الذي أقيم فيه يحمل اسم the golden finger، وتلك مسبغة للملابس تحمل اسم dry clean perfect، أما البقّـالة فاسمها friends for ever.
محال أخرى، في عمّان، ارتأت أن تكتب أسماءها الأجنبية بحروف عربية، على غرار: (رِد فارمسي)، و(أي دي ديزاين)، و(ليدي شوز). بيد أن محال أخرى ارتأت أن (تمسك بالعصا من المنتصف)، كاتبة اسمها بالعربية من اليمين وبالإنجليزية من اليسار.
كلّ ذلك يحدث ونحن نتنسم عبير (اليوم العالمي للغة العربية)، الذي يصادف الثامن عشر من كانون اول من كل عام، وفي ظلال «قانون حماية اللغة العربية الأردني»، الذي تم إقراره منذ أربع سنوات، والذي يلزم المؤسسات العامة والخاصة على «استخدام اللغة العربية في نشاطها الرسمي، ويشمل ذلك تسمياتها ووثائقها ومعاملاتها وسجلاتها وقيودها والوثائق والعقود..».
أما المادة الخامسة فتلزم بأن تكتب باللغة العربية «لافتات أسماء المؤسسات المشمولة بأحكام هذا القانون»، و»يجوز أن تضاف إلى الكتابة العربية ما يقابلها بلغة أجنبية على أن تكون اللغة العربية أكبر حجماً وأبرز مكاناً». أما المادة 15 فتنص على أنه «يعاقب كل من يخالف أحكام هذا القانون أو الأنظمة أو التعليمات الصادرة بموجبه بغرامة لا تقل عن ألف دينار ولا تزيد على ثلاثة آلاف دينار».
أما إنفاذ هذا القانون فيحتاج إلى تشاركية في الجهود، على الصعيدين: الرسمي والشعبي، إنطلاقا من المادة 14 من القانون، والتي تؤكد ضرورة أن «تلزم مؤسسات الدولة كافة بالعمل على سيادة اللغة العربية وتعزيز دورها في المجالات الاقتصادية والاجتماعية ومؤسسات المجتمع المدني وفي الأنشطة العلمية والثقافية».
وعلي الرغم من ذلك كلّه ثمّـة غربة عامة، تواجهها اللغة العربية بين أهلها، لا تقف عند حدود اسم محل هنا أو هناك، فعدد غير قليل من أهل اللغة والمتخصصين في علومها، على سبيل المثال، لا يعتمدون أسماءهم العربية عند إنشاء صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعية، بل يعتمدون أسماءهم بالإنجليزية!
ولن أتحدث بطبيعة الحال عن كفاءة العربية وجمالياتها، وهي اللغة التي كرّمها الله سبحانه وتعالى بأن جعلها لغة القرآن الكريم، ولكنني أتساءل: ما مبررات ذلك «الجحود» حيال اللغة العربية، والذي لا يقف عند ممارسة أفراد، بل ثمة مؤسسات علمية ضالعة فيه كذلك؟ وكيف يمكن أن نقرأ هذه «الظاهرة» من منظور علمي؟
 النظام الاقتصادي وخاصرة اللغة الضعيفة
السؤالان السابقان طرحتهما على أستاذ علم الاجتماع الدكتور مجد الدين خمش، وهو عميد كلية الآداب (سابقا) في الجامعة الأردنية، الذي لفت الانتباه، بداية، إلى أن المجتمع يتكون من مجموعة من النظم، على غرار النظام السياسي الذي تحضر فيه العربية بشكل معقول، والنظام الأسري الذي نلحظ فيه تراجعا للعربية لدى بعض الأسر، والمؤسسات الدينية الذي يتعامل مع العربية بكثير من التقدير وبنوع من القداسة.
أما منبع المشكلة، بحسب د. خمش، فيكمن في النظام الاقتصادي، الذي يحرص على التكيف مع متطلبات السوق، وهو سوق ذاهب باتجاه العولمة بطبيعة الحال، فالهاتف الخليوي، مثلا، يتم ابتكاره في ألمانيا، ويصنع في كوريا، ومن ثم يتم تسويقه إلينا باسمه الأجنبي، ولمواجهة هذه الحالية علينا العمل على تحفيز الابتكار والإنتاج في العالم العربي، من أجل إيجاد مخترعات جديدة تحمل أسماء عربية.
ويرى د. خمش أن السيادة الثقافية للدول النامية في تراجع، فهي لم تعد تنتج الأفكار أو تتحكم بها، فالكثير من الأفكار تنتج في الغرب وتنقل عبر الإنترنت والفضائيات، والكثير من تلك الأفكار تنقل من خلال اللغات الأجنبية.
دعا د. خمش إلى وضع سياسات تأخذ بعين الاعتبار انغماس العربية في متطلبات السوق لتحقيق خدمة متبادلة بين العربية والاقتصاد، مشيدا بجهود مجمع اللغة العربية الأردني لدوره الرائد في مجالات تعريب المصطلحات الاقتصادية والعلمية، وكذلك مجامع اللغة العربية الأخرى في البلدان العربية الشقيقة.
 تحديات العربية في الراهن والمعيش
«وعلى الرغم من الكفاح الطويل، الذي قدمه المجتمع الأردني، في سبيل إنجاز قانون حماية اللغة العربية، بيد أن هذا القانون، للأسف ما زال غيْر مُفعّل»، يقول الأستاذ الدكتور همام غصيب، العضو العامل في مجمع اللغة العربية الأردني منذ العام 1984، والذي استنكر ما تواجهه العربية من معاملة غير مناسبة من قِبل أهلها، فهي «تُذبَح» يوميًّا «من الوريد إلى الوريد على أيدي مَنْ يجب أنْ يكونوا سدنتَها، في كلّ الحقول والمؤسّسات والجامعات والمعاهد. كما نراقب بقلقٍ بالغ انتشار «العَربيزيّة» في المشرق العربيّ و»العَرنسيّة» في المغرب، انتشارَ النار في الهَشيم؛ لا سيّما بيْن أوساط الشباب الذين يُشكّلون ما يُناهز سبعين بالمئة من السكّان في «وطننا» العربي الكبير».
ويستطرد د. غصيب في تحليل حالة النكران التي تواجه العربية بين أهلها، في مقابل الحظوة التي تتمتع بها الإنجليزية في البلاد العربية، فبعد «الامبراطوريّة البريطانيّة، التي «لم تكن الشمس تغيب عن أراضيها المترامية»، كما قيل، هبّت علينا الامبراطوريّة الأمريكيّة، بقوّتها «الناعمة» (أي الثقافة) وقوّتها «الذكيّة» (أي الثقافة زائد القوّة العسكريّة). كلّ هذا وغيْره كفيل بأن يزعزع ثقة معظمنا بلغتنا، ويزرع في الأنفس الشعور بالقهر وخيبة الأمل. ويبدو أنّ كبوةَ الأمّة هي السبب؛ بكلّ ما يَعنيه ذلك من الهوان والتشتّت والفُرقة والغزو، ما ظهر منه وما خفِي».
والحالة كذلك، سألت د. غصيب حول التحدّيات التي تواجهنا في سبيل النهوض بلغتنا العربيّة، فكانت (رؤيته) على النحو الآتي:
التحدّي الأوّل: عامل الوقت. كيف نُسرّع الإنتاج العلميّ العربيّ بجميع مراحله: من الأفكار الحييّة الأولى حتى وضْع المُنتَج في مُتناول المُتلقّي، ورقيًّا وإلكترونيًّا؛ لكنْ، ليس على حساب الدقّة والإتقان؟ هل يُمكن أنْ نَجني الدروس والعِبَر من تجربة اليابان وغيْرها في هذا الصدد؟ وهل لنا أنْ نُفكّرَ «خارج الصندوق»، كما يُقال؛ فنُجرّبَ منهجيّاتٍ جديدةَ؟
التحدّي الثاني: التمويل. المال ضروريّ، مع أنّه غيْر كافٍ طبعًا. فكيف نُقنع أصحاب رؤوس الأموال الضخمة بأهمّيّة مشروعات «حوْسبة اللغة العربيّة»، مثلاً، وغيرها؟
التحدّي الثالث: الإتقان. فلا نستصغرُ حتى النقطةَ أو الفاصلة؛ ويكونُ المُنتَجُ المُعرّب منافسًا لنظيره الأجنبيّ.
التحدّي الرابع: استنفار الجامعات والإعلام وسائرِ الموسّسات. فنُقنعُ زملاءنا وأهلَ الرأي وأصحابَ القرار برسالتنا.
التحدّي الخامس: النقد الموْضوعيّ. فنُفرزُ المُتقَنَ من المُتهافت في كلّ مُنتَجٍ، بلا هوادة. ولا نرضى إلاّ بأرفع مستوى من العمل؛ وإلاّ خسرنا معركتنا!
التحدّي السادس: التنسيق البارع. فنَعمل فريقًا واحدًا – أفرادًا ومؤسّسات – من أجل أهدافنا الكبرى؛ غيْرَ آبهين بسفاسف الأمور وبأيّ خلافاتٍ شخصيّة.
 «اليونسكو»: للعربية مساهمات عظيمة في الحضارة البشرية
وعلى الرغم من غربة اللغة العربية بين أهلها، إلا أنها تحتل مكانة مرموقة على الصعيد العالمي، فهذه الجمعية العامة للأمم المتحدة اتخذت لها يوما عالما، هو الثامن عشر من كانون الأول من كل عام، وهو اليوم الذي اتخذت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الثامنة والعشرين المعقودة في عام 1973 قرارها التاريخي بأن تكون اللغة العربية لغة رسمية سادسة في الجمعية العامة والهيئات الفرعية التابعة لها، بحيث يكون لها نفس وضع اللغات الرسمية الخمس الأخرى: الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والروسية والصينية.
وفي رسالة لها بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية قالت السيدة أودري أزولاي، المديرة العامة لليونسكو: «يتيح اليوم العالمي للغة العربية فرصة للتنويه بالمساهمات العظيمة للغة العربية في الحضارة البشرية، ولا سيّما من خلال الفنون والآداب والهندسة المعمارية والخطوط الفريدة. فقد كانت اللغة العربية، وما زالت، سبيلاً لنقل المعارف في مختلف ميادين العلم والمعرفة، ومنها الطب والرياضيات والفلسفة والتاريخ وعلم الفلك».
وثمة اهتمام واضح بالعربية (التي يتحدث فيها قرابة 500 مليون نسمة) على الصعيد العالمي، فهذا العالم الافتراضي، بمفرداته كافة، جعل من العربية لغة أساسية في برمجياته، بخاصة أنها تحتل الآن المرتبة الرابعة بعد الإنجليزية، والصينية، والإسبانية، بين اللغات الأكثر استخداما على شبكة الإنترنت، والمرتبة الثانية بين أكثر اللغات نموا، والتاسعة بين أكثرها استخداما على موقع فيسبوك.
علما أن للعربية أكثر من 12.3 مليون كلمة مقابل 600 ألف كلمة للغة الانجليزية، ولها 16 ألف جذر لغوي مقابل 700 جذر لغوي للغة اللاتينية.
(ملاحظة: ارتأينا أن لا تكون أسماء المحال الواردة في بداية هذا التقرير حقيقية تجنبا للتشهير بها، ولكنها قريبة من أسماء موجودة على أرض الواقع تماما).