عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    29-Dec-2019

هل خالف الإندونيسيون تعالم الإسلام إذا تقدموا للتظاهر؟ - ريحان شواري الإندونيسي

 

الجزيرة - إندونيسيا -كما قد لا يخفى علينا وحسب معلوماتي ومعطياتي- كانت تهتز بزعزعة شديدة قبل زمان حول ملفات محتويات ومضمونات القوانين الجنائية بعد تجديدها فيما يتعلق بقضايا عديدة ما أثارعدة احتجاجات لدى الشعب الإندونيسي الذين عدوها "تخفيفا إلى الأعلى وتعويقا إلى الأدنى" وتبادرهم إلى الإحتشاد في الشوارع العامة وأجج بعضهم بعضا من خلاله لرفض جماعي لهذا التجديد بأي أسلوب من أساليب الإقناع.
 
فصارت الأيام آنذاك تنقل أخبار المظاهرات على شاشات التلفزيون والحواسيب وإشعارات الهواتف الذكية كما تصدت حلقات الندوات والمناظرات التي استضافت مجموعة من المفكرين المشهورين في هذا الموضوع. ولم يغب دعاة الإسلام الإندونيسيون المعتمدون عن الواقع حيث ألقوا دورات ومحاضرات دينية مكثفة في ذلك شرحوا حقيقة المظاهرة نظراً إلى الشرع فوصفوها بالخروج من النهج النبوي كما استدلوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر أتباعه بها قط انقياداً لشعار "سمعنا وأطعنا".
 
وكنت حاضراً في إحدى الدورات الشرعية التأصيلية تحدث فيها أعضاء هيئة التدويس في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة منه فضيلة أ.د. حامد بن معاوض الحجيلي -حفظه الله- أستاذ بقسم الدعوة والثقافة الإسلامية فرأيته جازم الأقوال يقول في أخلاقيات الدعوة إلى الله والحق بأن المظاهرة وسيلة خاطئة في الدعوة والإصلاح ولا يصح تنزيل الصبر فيها ولقد قمت بترتيب السؤال عجباً وانتقاداً عبرت فيه عن وضع حكومي افتراضي في إندونيسيا حيث تعد دولة ديمقراطية ذات دستور معتمد نظَّم شرعية المظاهرة وكونها متفردة بطريقة الإصلاح السياسي متمنياً لو أتاح بدور السؤال والجواب في الدورةلكن الأستاذ ختم كلامه فوراً وانصرف من دون السماح للحاضرين بطرح الأسئلة.
 
لا أنكر الحقيقة أن المظاهرة الطلابية السابقة انضمت إليها بعض المخالفات كتخريب وتحريق المرافق العامة والغوغاء والاضطرابات فأقول إنه قد سبق قبل ذلك التوجيه من رؤساء هيئة الطلبة من الجامعات أن يحافظ الطلاب المتظاهرين على الأمن والسلامة
ودفعني هذا إلى أن أدرس وألاحظ أبرز الدعائم التي تحقق الحيرة والنزاع بين الوطنيين والعلماء المسلمين في قضية المظاهرةووجدت أن معظم الدعاة –حسب تقييمي- غير مهتمين بالأحوال والأجواء المتواجدة عند المدعووأسرعوا واستعجلوا إلى إثبات الأحكام غير مبالين للمقامحتى شاع بين الناس أقوالاً سيئة للمتصدين بالدعوة إلى الله كمثل ما يحكمهم الناس بالتطرف والخروج على الحاكم وارتكاب الإنقلابات ونحو ذلك غير هدفهم الحقيقي وهو إعلاء كلمة الله تعالى.
 
لا أعني بهذه العبارة التحقير والسخرية لأصحاب العلم والفضيلة التي قال عنهم الرسول صلى الله عليه وسلم: ((فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب)) لكن أنوي أن أساهم بجزء قليل في مسلسلات الحياة الجهادية الدعوية المليئة بالتحديات المانعة والمعوقات المؤلمة التي يواجها الدعاة عندما يقصدون إقامة الحق وإزالة الباطل لما كان العمل العظيم الذي قاموا به قد يثير إلى القتن وشيوع المفتريات غير المقبولة والإساءة غير المعفو عنها. يا حبذا لو يتعمق الدعاة في التعريف والحقيقة لأنه لم يصح الإفتاء دون معرفة حقيقة المفتى عنه.
 
قالت سيدني هوك في مجلة "ديمكراسي" الصادرة من جامعة أحمد دهلان الإندونيسية بأن الديمقراطية هي نظام حكومي تنبني فيها القرارات ذات أهمية على اتفاق الأغلبية المقدم حراً من جهة الناس الكبار مباشرة كانت أم غير ذلك. وفي نفس المجلة قال جوزيف أ. سكيمير بأنها التخطيط المؤسسي يتحكم كل الأفراد في إثبات خطوات الصراع التنافسية من أجل اقتراعات الشعب المستهدفة للقرار السياسي. فالديمقراطية هي نظام حكومي تثبت فيه حقوق المساهمة للشعب في تنظيم السياسات الضامنة لاستمرارية حياتهم في البلاد.
 
وأما المظاهرة فهي ما وصفها القانون الإندونيسي رقم 9 عام 1998 فيما يتعلق بالحرية في التعبير عن الآراء والفكر أمام عامة الناس الباب الأول في الشروط العامة الفصل الأولالآية الثالثة "المظاهرة هي نشاط قام به فرد أو ما يزيد عليه لإبلاغ الآراء شفهياً كان أو تحريرياً ونحو ذلك بشكل واضح أمام عامة الناس". فالدستور الوحيد المتفرد بالحكم قد نظم شؤونا حول المظاهرة مما دل على شرعيتها كما دل على ذلك مقال الباب الثالث في الحقوق والواجبات الفصل الخامس الآيتي الأولى والثانية "أن المواطنين الذين أبلغوا آراءهم يستحقون التعبير عن أفكارهم والحصول على الحماية القانونية" ولعل الوطنيين يحتجون بهذا التعريف النظامي فكيف سيرده العلماء المسلمون استناداً على الشرع الإسلامي؟
 
ألف أحمد سليمان أيوب كتاب "حكم المظاهرات في الإسلام وبيان هيئة كبار العلماء" الصادر من دار الصميعي للنشر والتوزيع في الرياضفك فيه المغالق حول تعريف المظاهرة من جهة الإسلام مقتبسًا قول الشزكاني إن أصلها هو المعاونةمشتقة من كلمة الظهر لأن بعضهم –يعني الشعب- يقوي بغضاً فيكون له كالظهر. وأما على التنزيل الشرعي –حسب مقال الكتاب- فهي صورة من صور الحسبة والإنكار على الحاكم وإعلان المخالفة لهوعدم الرضى عن بعض سياساته وسياسات بطانته. واستدل المؤلف في وجوب طاعة الوالي بباب بعض واجبات الرعية تجاه الراعي بقول الله تعالى في سورة النساء الأية 59: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ " وقط طال الكلام في اختلاف العلماء في معنى أولي الأمر واستنبط المؤلف "والظاهر –والله أعلم- أنها عامة كل أولي الأمر من الأمراء والعلماء".
 
فمن هنا أود لو كان من سماحتكم أن أنتقد قليلا في موضوع طاعة أولي الأمر والمظاهرة أن ولي الأمر في إندونيسيا هو رئيس الجمهورية وهو يتولى قسطًا من السلطة التنفيذية حسب نظام "ترياس بوليتيكا" أو ما يعني تقسيم السلطات إلى ثلاثة أقسام وهي السلطات التشريعية والتنفيذية والتحكيمية ما يوجب للرئيس أن يخضع للقوانين التي قررتها السلطة التشريعية وهي مجلس النواب منها ما يتعلق بالمظاهرة فهي شرعية دستوريًا. واستُنْبِطَ أن الرئيس وهو ولي الأمر يقر بشرعية المظاهرة فالشعب ينقادون لذلك امتثالًا للأمر بطاعة أولي الأمر وهي طريقة متفردة قانونيًا بكونها وسيلة في إبلاغ الرأي.
 
ولعله يعجبكم ما وجدت من مقالة موقع طريق اللإسلام "إسلام وي نت" العربية أن الشيخ خالد عبد المنعم الرفاعي وهو مفت ومستشار شرعي في موقعي الألوكة وطريق الإسلام يقتبس قول الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة وهو المشرف العام على موقع الإسلام اليومقال فيها: "لا نرى بأسًا أن يجتمع المسلمون للإعراب عن احتجاجاتهم على معاناه إخوانهم في فلسطين بحيث تكون طظاهرة سليمة وهذا من نصرة إخوانهم..." وذكر كلامًا مطولًا فيه. فاستمر مؤلف المقالة مستنبطًا فوائد قول العودة: "إذا تقرر هذا فلا بأس في تنظيم المظاهرات لأنه من باب الأمر بالمعروف النهي عن المنكرعلى ما يتعرض له إخواننا في فليسطين مثلا إذا روعيت قواعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: كألا يؤدي تلك المظاهرات إلى منكر أكبر من اعتداء على الأنفس والأموال والممتلكات أو تخريب المرافق العامةأو أن ينضم إلى المتظاهرين الغوغاء والمخربون فيحدث ما لا يحمد عقباه...".
 
فأقول إن الحالة تثير على المظاهرة في إندونيسيا لما يترتب فيه من فرض سياسات غير لائقة لا توافق حقوق الإنسان كتكليف المتسولين المحتاجين المتجولين في الشوارع بغرامة تبلغ مليون واحد مع أن هذا ظاهرًا ليس من الجنايات ونحو ذلك من السياسات الظالمة فاجتمعت أحوال فلسطين وإندونيسيا في مجال الظلم والإعتداء على حقوق الإنسان. لا أنكر الحقيقة أن المظاهرة الطلابية السابقة انضمت إليها بعض المخالفات كتخريب وتحريق المرافق العامة والغوغاء والاضطرابات فأقول إنه قد سبق قبل ذلك التوجيه من رؤساء هيئة الطلبة من الجامعات أن يحافظ الطلاب المتظاهرين على الأمن والسلامة والصلاحية العامة ولربما واحد أواثنان قد أثار على النوازل غير المتوقعة فهذا واقع لم يُرْجَ بعد لأن غرض المظاهرة يعود إلى الإعراب عن الرأي. وهذا يحتاج إلى مراجعة أهل العلم في الحقيقة. واالله أعلم.