عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    13-Jul-2025

"الانكشاف" العربي غير المسبوق*د. أحمد بطّاح

 الراي 

لا شك أن كل أمة تمر بمراحل زاهية تنتصر فيها وتتألق، كما تمر بمراحل أخرى تُهزم فيها وتنتكس، وكحال كل الأمم شهدت الأمة العربية مثل هذه المراحل حيث عَلتْ في بعضها وتقدمت، كما تراجعت في بعضها الآخر وضَعُفتْ، لكن الأمة العربية في الواقع لم تشهد حالة "انكشاف" كما هو حاصل في هذه الآونة التاريخية، فمن الواضح أنها ضعيفة أمام أعدائها، ولعلّنا لا نبالغ إذا قلنا بأنها تعاني من حالة "انكشاف" أمام هؤلاء الأعداء، وإذا تأملنا فإنّنا يمكن أن نرصد حالة "الانكشاف" هذه من خلال الظواهر الآتية:
 
أولاً: عدم امتلاكها لوسائل "الردع" التي يمتلكها أعداؤها، ففي حين تحتكر إسرائيل السلاح الذري (رغم عدم اعترافها رسمياً بذلك) تُحرم منه الدول العربية وتُلاحق كما حصل عندما تم تدمير المفاعل النووي العراقي في عام 1982، وكما تم تجريد ليبيا من مقومات قنبلتها النووية بعد ذلك. إن السلاح النووي سلاح "ردع" وفي حين لا تمتلك الأمة هذا السلاح ويمتلكه أعداؤها فمعنى ذلك أنّ الأمة تفتقر إلى وسائل الردع، وغني عن القول إن الدول الغربية سعت إلى تجريد الدول العربية ليس فقط من السلاح الذري، بل من "مكونات" السلاح الكيميائي وما يتصل به وبغيره من مراكز علمية متقدمة كما حصل في سوريا مثلاً.
 
ثانياً: افتقارها إلى تحالفات دولية موثوقة تستطيع أن تسندها في الأزمات والملمات وبالذات عندما تصطدم بأعدائها، وقد انتفعت الأمة بهذه التحالفات عندما كانت تستند إلى دعم الاتحاد السوفيتي السابق، كما حصل في مواجهة العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 على أثر تأميم قناة السويس، وفي غير ذلك من المواجهات مع إسرائيل والغرب. إنّ تسيّد الولايات المتحدة على العالم منذ سقوط الاتحاد السوفيتي في عام 1991 ترك الأمة العربية كما غيرها من الأمم ذات القضايا النضالية بغير سَنَدْ دولي موثوق يوفر الدعم العسكري عند اللزوم، كما يوفر الغطاء السياسي. لقد ورثت روسيا الاتحاد السوفيتي كما هو معروف، وهي دولة عظمى عسكرياً، وصعدت الصين في فضاء العالم حيث أصبحت ثاني أكبر اقتصاد في العالم، ولكن هذه الدول ولأسباب مختلفة لا توفر الدعم المطلوب لنضالات الأمة وكفاحها في سبيل تحقيق أهدافها.
 
ثالثاً: إخفاقها في تبني الديمقراطية كمنهج سياسي عصري يرسم العلاقة بين الحاكم والمحكوم، ففي حين أصبحت الديمقراطية، "دين العصر"، وأصبحت الأمم والشعوب تتسابق على تبني الديمقراطية وتكريسها في مجتمعاتها، نجد أن كثيراً من الدول العربية مازال امامها الكثير من العمل لتمكين العملية الديموقراطية و اطلاق طاقاتها، وإمكاناتها. إن إطلاق القوى الحية للأمة من خلال الآليات الديمقراطية المتعارف عليها في العالم المتحضر الآن هو وحده الكفيل بأن تتقدم الأمة العربية وتأخذ مكانها بين الأمم. إن قضية الديمقراطية أصبحت قضية حياة أو موت بالنسبة للأمم والشعوب في عالم اليوم. وذلك لأنها أفضل ما توصلت إليه البشرية في إدارة الحكم الرشيد. (Goodgovernance)، وذلك من خلال الانتخابات النزيهة الحرة، وتداول السلطة، واحترام حقوق الإنسان.
 
رابعاً: فشلها في تحقيق الوحدة، فقد تمخضت اتفاقية سايكس بيكو عام (1916) بين الدولتين الاستعماريتين الكبيرتين في ذلك الوقت: بريطانيا وفرنسا عن تقسيم الأمة، وإفراز عدد من الكيانات السياسية غير القادرة على الاكتفاء وتحقيق الاستقلال الحقيقي في عالم لا يقبل إلّا الكيانات الكبيرة والمُقتدرة. إنّ من الواضح تماماً أن بعض الدول القُطرية العربية (قد فشلت في حماية مواطنيها، كما فشلت في تحقيق التنمية الحقيقية المُستدامة لشعبها، والأكثر من ذلك أن بعض الدول العربية قد أصابها الشلل والتشرذم، واقتربت من حالة "الدول الفاشلة" كما هو حاصل الآن في ليبيا، والسودان، واليمن وغيرها. إنّ الدول العربية لا مُستقبل لها إلّا إذا توحدت في "صيغة ما" تضمن وجودها، ومناعتها، ونموها.
 
إنّ حالات "الانكشاف" هذه لن تقضي على الأمة العربية بالطبع فهي أمة عريقة طالما واجهت الأزمات والمحن، وإذا أخذنا بنظرية "التحدي والاستجابة" "لتوينبي" فإنّه مُتوقع من الأمة أن تستجيب لهذه التحديات، (أيّ حالات الانكشاف)، وتتعامل معها بما يكفل التغلب عليها، ومن البديهي أن هذه الاستجابة تحتاج إلى وقت، وتخطيط، وإعداد، وإرادة صلبة، وهذا كله ليس بكثير على أمة صنعت التاريخ ذات يوم، وتطمح إلى استعادة مجدها وألقها.