عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    31-Aug-2020

بعقيدة.. “المستوطنون أولاً”: هكذا تربي إسرائيل جيشها على إهانة الفلسطيني وسلب حقه الإنساني - بقلم: عميرة هاس

 

هؤلاء الجنود الذين أُرسلوا إلى قرية كفر قدوم لقمع مظاهرات سكانها، يعملون وفق نشاط حربي. وهذا هو موقف الدولة الذي عبرت عنه لوائح الدفاع التي صاغتها النيابة العامة لمنطقة تل أبيب في السنوات الأخيرة، رداً على أربع شكاوى بالإضرار تقدم بها فلسطينيون أصيبوا بإطلاق جنود الجيش وحرس الحدود النار عليهم في المظاهرات: ولد ابن 11 سنة، ومتظاهر (64 سنة) يحمل علماً، ومصوران ليسا من سكان القرية. ولأن هذا يعد نشاطاً حربياً، حسب النيابة العامة، فللدولة حصانة من تقديم دعوى. ووافق قاضيا محكمة الصلح في القدس، عباس عاصي وميكا بنكي، على موقف الدولة.
 
هذه هي الأجواء التي عمل فيها الجنود الذين زرعوا حقل ألغام في أراضي القرية الأسبوع الماضي. وحتى لو لم يفعلوا ذلك بتعليمات من الأعلى، فإنهم كانوا في نشاط حربي، وحدود المسموح به للجنود في النشاط الحربي واسعة ومرنة.
 
إن الدعاوى التي قدمها الفلسطينيون من 2014 حتى الآن، بسبب أضرار لحقت بهم من قبل الجيش الإسرائيلي، كانت نيابة لواء القدس قد عالجتها. ولم يكن ادعاء النشاط الحربي جزءاً من خط الدفاع الثابت، فعلى سبيل المثال، توصل المصور جعفر اشتية، الذي كسر الجنود يده بهراوة في آب 2012 وضربوا مصورين آخرين في إطار سياسة تشويش تغطية المظاهرات في كفر قدوم، إلى اتفاق تسوية مع النيابة العامة دون أن تطرح الدولة ادعاء الحصانة، ومنذ بداية العام 2015 تم تحويل الملفات إلى النيابة في تل أبيب، وهناك تحولت كلمتا “نشاط حربي” إلى روتين في خط الدفاع.
 
في العام 2004 أغلق الجيش الإسرائيلي المخرج الشرقي لكفر قدوم الذي يؤدي إلى الشارع الرئيسي الموصل إلى مدينة نابلس؛ بحجة أنه يمر بعملية توسيع لمستوطنة “كدوميم”. ومنذ ذلك الحين، بدلاً من ربع ساعة كان يستغرقها السفر إلى نابلس، أصبح يستغرق 40 دقيقة. هذا أمر محتمل، لكن ليست هناك حاجة لمضاعفة الثمن الذي يسببه الإغلاق: تكلفة الزيادة في استهلاك البنزين، وتآكل الإطارات، والوقت الذي يقضونه على الطرقات، ولا يمكن قياس تلك الإهانة التي لحقت بسبب عدم العدالة. في الوقت الذي تبذل فيه السلطات كل ما في وسعها لتقصير مدة السفر للمستوطنين إلى إسرائيل نفسها وبالعكس، تفرض مسارات سفر أطول على الفلسطينيين. هذا هو تعبير آخر بيروقراطي تخطيطي لتصنيفهم كبشر متدنيين. في 2011 بدأ السكان بالتظاهر لرفع الإغلاق واستمرت المظاهرات أسبوعياً منذ ذلك الحين.
 
لا يتظاهر السكان ضد مصادرة نحو 2000 دونم من أراضيهم لصالح المستوطنات في المنطقة، ولا يتظاهرون مطالبين بعودة الوصول إلى أراضيهم الزراعية التي تبلغ مساحتها 10 آلاف دونم بصورة طبيعية يومية لجميع أفراد العائلة، وليس مثلما قرر الجيش: مرتين في السنة فقط (بضعة أيام في موسم قطف الزيتون، وبضعة أيام لحراثة الأرض ورش الأعشاب الضارة). هدف المظاهرات هدف متواضع جداً وحاسم. ولكن فيه رسالة مبدئية: لا تعاملوننا وكأننا من الصنف “ب”.
 
في العادة أساليب الردع والتخويف التي اتبعها ويتبعها الجنود أكثر اعتدالاً، منها، يقوم الجنود بإيقاف الأطفال من سن الرابعة وحتى التاسعة، ويكبلون أيديهم.
 
 أصيب نحو 100 شخص من السكان، منهم عدد من المصورين الصحافيين، برصاص الجيش الإسرائيلي منذ بدأوا بالتظاهر، ستة منهم من القاصرين. في 15 شباط الماضي، أطلق الجنود النار على رأس محمد شتيوي ابن 14 سنة رصاصة معدنية مغطاة بالمطاط من مسافة قصيرة. كان هو وأصدقاؤه يستجمون في حقل مزروع بالأشجار خارج المنطقة المبنية في القرية. شاهدوا الجنود واختبأوا، وعندما خرج محمد لرؤية ما يحدث أطلقوا عليه النار. قال الجيش الإسرائيلي في حينه إنه كان هناك خرق للنظام في القرية، لكنهم لم يقولوا إن محمد كان مشاركاً فيه. وقال أهل القرية إنه لم يكن هناك أي شيء من ذلك. كان ذاك يوم خميس، ولم يكن هناك أي مظاهرة على الإطلاق. محمد الآن مشلول. وفي تموز 2019 أطلق الجنود النار على رأس عبد الرحمن شتيوي ابن العاشرة عندما كان يقف قرب بيت صديقه، على بعد نحو 200 متر من موقع المظاهرة والمواجهات بين الجنود والمتظاهرين. وعبد الرحمن يجلس الآن على كرسي متحرك.
 
في العادة أساليب الردع والتخويف التي اتبعها ويتبعها الجنود أكثر اعتدالاً، منها، يقوم الجنود بإيقاف الأطفال من سن الرابعة وحتى التاسعة، ويكبلون أيديهم. وعلقوا صوراً لقاصرين في القرية وهددوا بإلقاء القبض عليهم، وأطلقوا الكلاب على المتظاهرين ودحرجوا الصخور نحوهم وألقوا القبض على طفل ابن 7 سنوات في كمين، وثقبوا خزانات المياه على الأسطح، وعطبوا إطارات سيارات، وألقوا قنابل الغاز المسيل للدموع ليلاً داخل بيت مراد شتيوي، وهو أحد منظمي المظاهرات. في نيسان الماضي، عُثر على عبوة صغيرة مكونة من قنبلة صوت مخفية بين الحجارة. ومنذ بدء المظاهرات، اعتقل الجيش الإسرائيلي 170 شخصاً من سكان القرية لفترات مختلفة. وحسب أقوال مراد شتيوي، اضطر هؤلاء إلى أن يدفعوا 250 ألف شيكل غرامات في إطار المحاكمة العسكرية.
 
يقف المحامي اريئيل ارارات على رأس الطاقم في النيابة العامة في تل أبيب، المسؤولة عن لوائح الدفاع. هو وطاقمه يعملون مثل أي محام متحمس يدافع عن موكله. لذلك، يتعاملون مع المظاهرات على أنها أعمال “شغب وإرهاب واستمرار لإرهاب السكاكين” (رغم أن المظاهرات بدأت قبل وقت طويل من هجمات الأشخاص المنفردين واستمرت أيضاً بعد أن هدأت هذه الهجمات). أما حدوث قمع المظاهرة بقنابل الغاز المسيل للدموع وقنابل الصوت وإطلاق النار الحي في المنطقة المأهولة في القرية، فهو أمر لا يعنيهم، بل يعرضون المتظاهرين على أنهم أشخاص يريدون المس بالمستوطنين في مستوطنة “كدوميم”، وهكذا يتجاهلون حقيقة أن سكان القرية اختاروا، وعن وعي، مظاهرة شعبية وسيلة احتجاج ونضال ضد المس بهم، ولم يختاروا وسائل أخرى.
 
في تشرين الأول 2015 اعتبر المصور أحمد طلعت (أطلق الجنود النار على مؤخرته وهو يحمل ثلاث كاميرات ويرتدي قناعاً واقياً من الغاز وهو في الشارع مع عدد من المراسلين) يعتبر “ثور ناطحاً” وليس “صحافياً بريئاً يعرف على نفسه”، حسب ارارات. هذا رغم أن الدولة لم تقدم أي دليل على احتجاج من جندي ضده ولو لمرة واحدة. أما مؤيد شتيوي، وهو ممرض اعتاد كل جمعة على حمل علم فلسطين كبير يسير به في مقدمة المظاهرة فقد كان يحرص على الابتعاد عندما تبدأ المواجهات. وفي يوم إصابته في تشرين الأول 2015، لم تكن الصلاة التي سبقت المظاهرة قد أقيمت. كان في ساحة المسجد، وسمع أصوات مواجهات، وخرج يحمل العلم ورؤية ما يحدث. أطلق الجنود النار عليه من بعيد مرتين وأصيب في مؤخرته وظهره، ولم ينجحوا الأطباء في إخراج الشظايا، وبقي جزء من الرصاصة في جسمه. وكتبت النيابة العامة عنه بأنه مشارك في التنظيم والتحريض على المظاهرات العنيفة.
 
وفي كانون الأول 2014 كان بشار صالح يقف مع كاميرا تلفزيون كبيرة على قاعدة هو والصحافيون والمصورون الآخرون، حيث أولاد صغار جداً يرشقون الحجارة بين الفينة والأخرى، دون أن تصل إلى الجنود. ظهر الجنود هادئين جداً، إلى أن أطلق أحدهم رصاصة واحدة على قدم صالح اليسرى. شعر صالح بانفجار كبير في الجزء السفلي في قدمه اليسرى. وكتبت عنه النيابة العامة: طبقاً للتعليمات، تم إطلاق النار على المحرض الرئيسي، الملثم، الذي كان يحمل مقلاع داود وعرض القوة للخطر… ولم يتم إثبات أن المدعي قد أصيب بنار الجيش”.
 
إن فحص الدعاوى ومحاضر المداولات يظهر نموذجاً مشابهاً، مثل: تناقضات داخلية بين تصريحات الجنود الأولية وبين شهاداتهم، وتوثيق الجيش في الوقت الحقيقي الذي اختفى، وصور للجيش محيت أو حاسوب تم إحراقه، وتباطؤ في تحقيقات الجيش، أما الجنود الذين يستدعون إلى المحكمة فيقولون بأنهم لا يذكرون الحادثة التي سيقدمون شهاداتهم عنها والتي قدموا بشأنها تصريح شهادة مفصلاً. ولكن عندما يكون خط الدفاع قمع المظاهرة ضمن نشاط حربي، فلن تقلق تلك الإخفاقات هؤلاء القضاة.
 
مهما كانت دعاوى الأضرار ضد الدولة قليلة، فهي نوع من التظاهر، تظاهر على أمل أن يقوم شخص ما من خارج الجهاز العسكري فيخرج من الصندوق ويستمع… يستمع إلى شرعية وعدالة المطالبة بفتح الشارع، ويرى الفلسطينيين بشراً. ولكن خاب الأمل.
 
 
 هآرتس