عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    31-May-2019

فسيفسائية اللغة ومراوغة اللفظ الدلالي في «بورتريه» لهديل الرحامنة

 

موسى صالح الكسواني
 
الدستور - «بورتريه» عنوان ذو سيميائية ماكرة ومشاغبة ومغايرة لما تعارف إليها أو عليها المعنى المعجمي أو المعنى الاصطلاحي على حد سواء فالمعنى المعجمي بورتريه هي كلمة مستوحاة من اللغة الإنجليزية (Portrait) وهي تعني بالأساس صورة الوجه أو ما يشابهه، أما معناه الاصطلاحي كما أخبرتني به صديقة فنانة جزائرية فإنه يعني بالفرنسية فن الرسم الدلالي الشخصي أو فن التصوير الشخصي الثابت.
لكن هديل الرحامنة أرادت بجرأة أدبية أن تحرف هذا المعنى إلى معنى سرديٍّ آخر أسمته بورتريه حيث ترى هي أنه يختلف عن الرواية أو القصة.
وهي بذلك تجعل للأمكنة والأحداث وكلِّ ما يجري من حواراتٍ صورا وأشكالا لغويةً، موضحة بذلك صورة المعنى الشكلي للسرد الحكائي. 
إنها سردية تنبش عن صفات كل من الرجل  العنيدة المتعنتة القاسية، والمرأة الداخلية بتعدداتها على حسب رأي الراوية التي تروي حكاية ليلى منذ موسم عمان وإلى حين عودتها من مطار القاهرة إلى عمان.
في الحوار الداخلي عند الراوية التي تتحدث أكثر بكثير مما تتحدث البطلة ليلى أو من يصادفها في رحلتها من عمان إلى القاهرة ومن ثم العودة إلى عمان، تجعل هديل على لسان الراوية الوصف أهم مهماتها إذ إنها تؤكد على وصفها لكثير مما يربط الرجل بالمرأة من مثل: القبلة، والعنق والعناق والشَّعر والفستان واللون ثم تشرح كيفية تصالحها مع ذاتها أي المرأة لتكسب ودَّ الرجل حتى تمتص عناده مهما بلغ من تعنت وقسوة وذلك في صفحة (17).
ثم تؤكد ذلك بملمح آخر حيث تقول في صفحة (51):
المرأة لا تحصل على ثقتها من الداخل، إنها تصنع كل خارجها ليمنحها الثقة بنفسها ومكانها، وبما ترتديه، فلا يمكن فصل المرأة عن واقعها مهما بلغت من قوة ... تحمل كل أسلحتها في جميع ما تمتلكه وتقدرعليه فكان شكلها مهمًّا في غايتها.
لكن هذه المراوغة اللفظية لا تكتمل،، ذلك لأننا نقرأ ما يخالف الرأي السابق تماما حيث إن المرأة التي تفعل كل شيء من أجل أن تكسب ودّ الرجل حتى تمتص عناده مهما بلغ من تعنت وقسوة كما قرأنا سالفا تضطر لاستخدام مكرها ودهائها لتفلت من قبضة الرجل حيث تقول:
الرجل كعادته يأتي مرة كاملة ويغيب دفعة واحدة. كم إنه غير متريث، أحيانا....
عندما نتوسل الآخر بالبقاء ونرجوه الرجوع إلى مكانه المعهود، هذا ليس فقط لحبنا له، بل لبدئنا بالخروج منه.(15)
ثم ها هي تذهب بنا مذهبا آخر في وصفها للمرأة حيث تقول صفحة (61):
المرأة تفقد شعورها نحو الرجل الذي أحبته، فلا تعود تتذكره، هي لا تنسى لأن النسيان حالة ليست من صنيعة النساء، إنها حالة مترفة، مرتاحة، يعرفها الرجل جيدا،، لذا يتقن النسيان عند حصوله على لحظة ممتعة، قد يستمتع في لحظة لأنها جميلة، لكن المرأة لا تشعر بالمتعة إلا لأنها لم تعد تحب رجلها ....
بورتريه هديل الرحامنة  بمواسمه الستة وبعدد صفحاته التي وصلت مائة وست عشرة صفحة من القطع المتوسط الموسوم بمواسم التين الصادر عن دار وائل للنشر والتوزيع عام 2019م، جدير بالاهتمام من حيث كونه استحداثا في الجنس الأدبي إن كان ذلك استحداثا حقيقيا أم لا.
ومع كل ما سلف يفرض علينا القول:
 إن هديل الرحامنة في مواسم التين قُدِّر لها أن تغوي اللغة أو أن اللغة هي التي تغويها هكذا على سبيل المثال لا الحصر صفحة (73ـ74):
« وهما يتحدثان في شغف هادئ بتفاصيل النهار كان نصف وجه ليلى على كتفه بمحاذاة صدره
هي: وأنا امرأة من لهب
فيا زنده كن أبي 
واجمع ما احترق من حطب
آب في المساء بغاية العتب
يعاتب النهار على مضيه 
ويعاتب الليل أنه لم يستعجل ليأتي
إنها حقا لغة فسيفسائية استثنائية مركبة ومعقدة تنزاح بلا إرادة وتثير فوضى الألفاظ والدلالات كما تريد هديل لا كما تريد اللغة ذاتها
لكن الذي استوقفني كثيرا هو هذه النهاية الغاصة في الحزن والألم حيث إن البطلة ليلى وقد تركت كل بهجتها التي لهت بها ذات فرح مع حبيبها الذي أعد لها كل أسباب اللقاء ثم تركها تسافر وحيدة من مطار القاهرة  إلى عمان وهي عائدة مثقلة بثقل كوني من الفجيعة تماما مثلما سافرت من دون حبيبها الذي كانت تنتظره ليودعها في مطار عمان بفستانها الأصفر وقصة شعرها الجديدة.