عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    16-Apr-2019

غوغل يحتفي بإنجي أفلاطون ورحلتها من الفن للسياسة
 
سارة عابدين
 
احتفى محرك البحث غوغل اليوم بالذكرى 95 لميلاد الفنانة إنجي أفلاطون التي تعتبر من رائدات الحركة التشكيلية المصرية، بالإضافة إلى كونها واحدة من المناضلات البارزات في الحركة الاشتراكية المصرية والحركة النسائية الحديثة.
 
وتقول أفلاطون (ولدت في 16 أبريل/ نيسان 1924 وتوفيت في 17 أبريل/نيسان 1989) في مذكراتها التي نشرت بعنوان "مذكرات إنجي أفلاطون.. من الطفولة إلى السجن" إنها هويت الرسم منذ طفولتها "وكنت أرسم اسكتشات صغيرة لبعض ما أشاهده في رحلاتي مع أبي، وكانت عائلتي على دراية بموهبتي الفنية وتحاول أن توفر لي دروسا في هذا الميدان، إلا أن هذه الدروس لم تخرج عن تكبير بعض البطاقات البريدية، أو النقل السطحي من الطبيعة، مما نفرني من هذه الدروس وجعلني أتمرد عليها".
 
مع التلمساني
كان كامل التلمساني فنانا تشكيليا طليعيا، اقترحته واحدة من صديقات العائلة لتعليم أفلاطون الرسم، وبعد فترة قصيرة أدركت أن دروس التلمساني ليست في الرسم فقط، بل معرفة جديدة وراسخة عن المعنى الحقيقي للفن، واعتبرتها محاضرات عن تاريخ الفن والإنسانية عبر العصور.
 
من هنا بدأت أفلاطون التعبير عن نفسها وأفكارها ومخاوفها من خلال الرسم.
 
رسمت أول لوحة زيتية وهي ماتزال طالبة في مدرسة الليسيه، كانت اللوحة تصور فتاة تحاول الهرب من لهيب النار والثعابين التي تحاول التهامها، أما الثانية فهي لفتاة تجري مذعورة فوق الصخور محاطة بأمواج وعواصف ويطاردها طائر متوحش.
 
تتابع إنتاجها من اللوحات ذات الألوان الصارخة والجريئة التي تتجسد فيها أشكال الطبيعة بأشكال إنسانية تتعذب وتتألم حتى تحصل على حريتها وتنطلق في نهاية الأمر، وكأن عناصر اللوحات تمثل رغبات أفلاطون الشخصية في التحرر.
 
جماعة الفن والحرية
فتح التلمساني الباب لأفلاطون لدخول عالم الفن رغم صغر سنها، وجعلها تشارك في المعارض الطليعية الجماعية للجماعة وهي ماتزال طالبة.
 
كانت جماعة الفن والحرية من أهم الجماعات الفنية التي ظهرت في الأربعينيات، وأثارت قضايا كبرى في الأدب والسياسة، إلى جانب الفن التشكيلي.
 
كانت الجماعة تسعى إلى تحرير الإنسان من القيود الأكاديمية والأشكال التقليدية من الفن المنقول من أوروبا، تلك الأهداف التي تلاقت مع أهداف أفلاطون الشخصية.
 
وضمت مجموعة من أهم فناني تلك الفترة مثل رمسيس يونان وفؤاد كامل ومحمود سعيد، بالإضافة إلى مجموعة من أبرز الأدباء مثل ألبير قصيري وجورج حنين ومارسيل بياجيني.
 
التحول الكبير
انتقلت أفلاطون بالرسم إلى دائرة المثقفين المصريين، وبدأت في التعرف من خلال الكتب والنقاشات على المفاهيم الاشتراكية.
 
وجدت في هذه الكتب تحليلا علميا متكاملا ونظرة إنسانية شاملة لجميع قضايا المجتمع: الفقر، الاستغلال الطبقي، استغلال المرأة، قضايا الاستعمار والتحرر الوطني.
 
كما وجدت حلولا حاسمة للقضاء على هذه المشاكل من جذورها، وكانت تلك الأفكار مبهرة تماما لفتاة في الأصل متمردة على طبقتها الاجتماعية وزاهدة في رخاء تلك الطبقة.
 
اقتنعت أفلاطون بصدق بأفكار الاشتراكية من أجل تحرير الوطن من الاستعمار، وتحكم الطبقة البرجوازية المتعاونة مع المستعمر، بالإضافة إلى ارتباط قضايا تحرير المرأة من وجهة نظرها بتحرر المجتمع بشكل عام.
 
تقول "باتخاذي ذلك الموقف الأيديولوجي اكتسبت حياتي بعدا جديدا هو الكفاح السياسي، وانتقلت باختياري الواعي من معسكر الأغنياء إلى الفقراء". ورفضت كل محاولات والدتها لإقناعها بالسفر إلى الخارج لاستكمال دراستها الفنية بإحدى الكليات أو المراسم الفنية المشهورة بباريس.
 
ولم ترضخ لكل الضغوط العائلية التي تدفعها في ذلك الاتجاه باستعمال كل وسائل الإغراء التي يمكن أن تحول أفكار أي فتاة شابة.
 
كان قرارها بالرفض منسجما مع ما تستعد له من حياة جديدة يندمج فيها النشاط الفني والسياسي والاجتماعي ومحاولات التعرف على المجتمع المصري الحقيقي، تلك المحاولات التي استمرت طيلة حياة أفلاطون الحافلة بالكفاح.
 
المشوار الفني
بدأت أفلاطون مشوارها الفني بالرسم السريالي، كمنهج للتعبير عن ذاتها وصورت من خلاله كل أفكارها وأحلامها وكوابيسها، وفي تلك الأيام اختلط فنها بنشاطها الاجتماعي، وبدأت رحلاتها إلى الخارج، وشاهدت المتاحف العالمية، واللوحات الفنية عبر التاريخ القديم والحديث، وأدركت أنها لن تستطيع أن تستمر في التعبير الذاتي من خلال الرسم السريالي، فتوقفت عن الرسم وانصرفت إلى العمل الاجتماعي على مدى عامين كاملين (1946و1948).
 
بعد عودتها إلى الرسم ومع انغماسها في النشاط السياسي والاجتماعي، ودراستها الأكاديمية، تحولت إلى الأسلوب الواقعي الاجتماعي، وظهر ذلك في معرضها الخاص الأول عام 1951، حيث ظهرت لوحات بعناوين مثل "روحي وانتي طالق، زوج الأربعة) تعبيرا عن الهيمنة الذكورية على المرأة.
 
كما صورت لوحات من الكفاح المسلح ضد قوات الاحتلال البريطاني مثل "لن ننسى" التي تصور الفدائيين في معارك قناة السويس.
 
بعد ذلك حاولت استكشاف البيئة المصرية المنسية، والقرى البعيدة بين الغبار والناموس والماشية والفلاحين البسطاء.
 
وكانت تأخذ المشاهد داخل اللوحة ليحاول استكشاف عوالم الفنانة التي تتسم بتوافق لوني، وتوازن بين المساحات المرسومة مع الفراغات البيضاء، لتصور العظمة القاسية للطبيعة المصرية في لحظات الحياة اليومية.
 
في سجن النساء 
قضت أفلاطون أربع سنوات ونصف السنة في سجن النساء بالقناطر الخيرية (1959-1963) أبدعت خلالها سلسلة من اللوحات، صودر بعضها، وظهر الباقي في معارضها اللاحقة، ليظهر خلالها تأثير المأساة والسجن والمناخ النفسي داخل السجن على أسلوبها الفني الذي تحول إلى المبالغة في النسب والرمزية في الألوان، ودراماتيكية التكوين، وهو أسلوب تعبيري تماما مخالف لكل ما اعتادته في لوحاتها السابقة.
 
لوحات المعتقل تظهر فيها السجينات متكدسات خلف الأسوار، في تشكيلات قاسية وملامح مبهمة، دون أن تخلو من الجانب الروائي الواقعي الذي تعودت عليه أفلاطون.
 
المصدر : الجزيرة