عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    25-Mar-2023

النفوذ البحري المتزايد للصين في الشرق الأوسط

 الغد-بليك هيرزنجر؛ وبين ليفكوفيتز* – (معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى) 17/2/2023

 
في الوقت الحاضر، يبدو أن قدرة الصين على الالتزام بتوفير القوة في المنطقة غير كافية لمواكبة حجم انخراطها في المجالين الاقتصادي والدبلوماسي الذي يبدو أنه النهج الطبيعي الجديد لبكين، ولذلك، على واشنطن الاستعداد للمزيد من الأنشطة التوسعية.
* * *
عززت الصين وجودها البحري في الشرق الأوسط بشكل مطرد منذ إرسالها أول فرقة عمل للمرافقة البحرية إلى خليج عدن في العام 2008. وفي ذلك الوقت، كان الهدف من التواجد الصيني هو مكافحة القرصنة. ولكن على الرغم من تضاؤل تهديدات القراصنة، إلا أن الصين عززت تواجدها في المنطقة واستمرت في استخدام قواتها البحرية الحديثة لتعزيز مصالحها في المنطقة. ومع تطور علاقات الصين محلياً، فإن وجود “بحرية جيش التحرير الشعبي” قد يتطور أيضاً، وذلك من خلال تركيبة القواعد القوية التي سيتم بناؤها بشكل متزايد، وكذلك عبر التعاملات الرصينة مع دول عربية مختلفة. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، كيف سيبدو هذا التوسع، وهل هناك أي دلائل على حدوث توقف أو انكماش في المدى القريب؟
دور “بحرية جيش التحرير الشعبي” في الاستراتيجية الإقليمية الصينية
على الرغم من أن العديد من المشاريع العسكرية العالمية الطموحة للصين مرتبطة بقيادة الرئيس شي جين بينغ، إلا أن بروز هذه التطلعات بشكل فعلي يعود إلى عهد الرئيس هو جينتاو في العام 2008، وكان ذلك هو العام الذي أطلقت فيه بكين أول مهمة بحرية حديثة لها في الخارج. وشهد نشر قوات “البحار البعيدة” في العام 2008 إبحار ثلاث سفن حربية تابعة لبحرية جيش التحرير الشعبي إلى خليج عدن كفرقة عمل مستقلة لمكافحة القرصنة، وذلك ضمن “المهام التاريخية الجديدة” التي أعلنها هو جينتاو للمرة الأولى قبل المهمة بأربعة أعوام.
ومنذ ذلك التاريخ، أطلقت “بحرية جيش التحرير الشعبي” اثتنين وأربعين فرقة عمل مرافقة بحرية للهدف المعلن المتمثل في مكافحة القرصنة، على الرغم من التراجع السريع للهجمات التي تستهدف النقل البحري بحلول العام 2015. وتقول وسائل الإعلام الحكومية الصينية إن القوات البحرية رافقت “أكثر من 7.000 سفينة صينية وأجنبية”، و”أنشأت آليات غير رسمية لتبادل المعلومات” مع قوات البحرية الأجنبية، وأنها ردعت القرصنة الصومالية بشكل فعال. وعلى الرغم من أن “بحرية جيش التحرير الشعبي” ما تزال على هامش التحالفات الدولية لمكافحة القرصنة، إلا أنها تجري مناورات بحرية مع دول مثل إيران وباكستان وروسيا.
في غضون ذلك، أنشأ “جيش التحرير الشعبي الصيني” أول قاعدة خارجية له في جيبوتي في العام 2017. وفي البداية، وصفتها بكين بأنها منشأة لوجستية تدعم مهام مكافحة القرصنة، إلا أنها أقرت في وقت لاحق بأنها منشأة دعم عسكري و”نقطة قوة استراتيجية”. وإضافة إلى احتواء هذه القاعدة على معدات جمع المعلومات الاستخبارية، فقد تم توسيعها لاستيعاب حاملات الطائرات والسفن الهجومية البرمائية التابعة لـ”بحرية جيش التحرير الشعبي”، وهي قدرات غير ضرورية لمكافحة القرصنة، وتمت إضافتها بعد فترة طويلة من انحسار شبح هذا التهديد. ويشير اهتمام “بحرية جيش التحرير الشعبي” في الحصول على موطئ قدم للقيام بعمليات في مناطق المحيط الهندي والخليج العربي إلى أن قاعدة جيبوتي لن تكون الأخيرة.
كذلك، تضمنت فرق عمل المرافقة البحرية الصينية سفناً لا تتناسب بالضرورة مع مهام الأمن البحري، الأمر الذي يعزز فرضية أن عمليات النشر هذه لها هدف استراتيجي أكبر من مجرد تأمين التجارة. فقد تضمنت فرقة عمل مرافقة بحرية صينية تم نشرها في العام 2010 سفينة إنزال من طراز “يوجاو” Yuzhao، وهي مصممة للهجوم البرمائي وليس لمطاردة القراصنة. وفي العام 2014، أرسلت “بحرية جيش التحرير الشعبي” غواصة هجومية تعمل بالديزل والكهرباء من طراز “سونغ” Song من هاينان للقيام بدوريات في شرق المحيط الهندي. وعلى الرغم من أن تلك الحادثة لم تكن الأولى التي يتم فيها نشر غواصة من قبل دولة تقوم بعمليات مكافحة القرصنة (حيث قامت هولندا بمثل هذا النشر في العام 2010)، إلا أن ذلك كان بمثابة امتحان مهم لقدرة الصين على إبراز قوتها بعيداً عن شواطئها، كما أحدث ذلك حالة من الذعر الشديد في الهند. وعلى نحو لافت، أشار مخطط استراتيجي صيني سابقاً إلى مهام فرقة العمل كوسيلة لتعزيز “قدرة البحرية على إجراء عمليات شبه قتالية في المحيطات البعيدة”.
منذ أيامها الأولى، كان يُنظر إلى وجود “بحرية جيش التحرير الشعبي” في خليج عدن أيضاً كمركز لتعزيز العلاقات مع دول المنطقة. فبحلول العام 2010، كانت فرقة عمل المرافقة البحرية التابعة لها المكونة من ثلاث سفن قد عبرت مضيق هرمز وأجرت أول زيارة ميناء للبحرية إلى دولة في الشرق الأوسط، فوصلت إلى ميناء زايد في أبو ظبي في آذار (مارس) من ذلك العام. كما أرسلت “بحرية جيش التحرير الشعبي” سفناً إلى إيران والكويت وسلطنة عمان وقطر والمملكة العربية السعودية، وتواصل توطيد علاقاتها مع القوات البحرية الإقليمية من خلال إجراء تدريبات مع دول، بما فيها أقرب شركاء واشنطن. ووفقاً للتقاليد المتبعة، يتبع العلم التجارة، لكنهما في حالة بكين يصلان أحياناً معاً. فالزيارات التي تقوم بها “بحرية جيش التحرير الشعبي” إلى الموانئ ترتبط بشكل واضح بتعزيز الاهتمام الإقليمي بـ”مبادرة الحزام والطريق” الصينية، وتسهيل الصفقات التجارية الكبيرة، وتنفيذ المشاريع التي تهدف إلى تطوير البنية التحتية البحرية لدول متعددة في الخليج.
النمو، التقلص، أو مقاومة كل تغيير؟
على ضوء المنافع الاستراتيجية والدبلوماسية المذكورة أعلاه، من المستبعد أن يتقلص الوجود الإقليمي لـ”بحرية جيش التحرير الشعبي” في أي وقت على المدى القريب. ومن غير المنطقي أن تقلص الصين الوجود الإقليمي لبحريتها في الوقت الذي تدفع فيه بكين حملتها الرامية إلى كسب ود العرب إلى حدودها القصوى. وإضافة إلى ذلك، تعمل “بحرية جيش التحرير الشعبي” بشكل تناوبي ومحدود، كما أنها من عمليات الانتشار الوحيدة التي يمكن أن يكتسب فيها بحارة وجنود البحرية وأفراد العمليات الخاصة الصينيون خبرة عملياتية في البحر. وقد تقرر “بحرية جيش التحرير الشعبي” تقليص حجم فرق عمل المرافقة البحرية الخاصة بها أو تغيير تركيبتها، ولكن حتى هذه الخطوة تبدو مستبعدة في الوقت الحالي.
ومن المستبعد أيضاً خفض عدد أفراد الجيش المتمركزين في جيبوتي، فاستثمار الصين المستمر في تلك القاعدة هو دليل واضح على أن بكين ترى أن توسيع المنشأة هو أمر مُجدٍ. ففائدة القاعدة في عمليات الإخلاء الدورية لغير المقاتلين التي تقوم بها “بحرية جيش التحرير الشعبي” (على سبيل المثال، في ليبيا واليمن) تُعد سبباً كافياً للحفاظ عليها، بما أن إنقاذ المدنيين الأجانب من مناطق النزاع إلى جانب المواطنين الصينيين قد أمّن لبكين تغطية صحفية إيجابية. وفي الواقع، فإن العامل الخارجي الوحيد الذي قد يفرض تغييراً كبيراً في الموقف الإقليمي لـ”بحرية جيش التحرير الشعبي” يكمن في نشوب نزاع بين الصين والولايات المتحدة أو أي قوة بحرية أخرى.
بطبيعة الحال، حافظت “بحرية جيش التحرير الشعبي” على الصيغة الحالية لفرق عمل المرافقة البحرية المؤلفة من ثلاث سفن في الشرق الأوسط لمدة خمسة عشر عاماً حتى الآن، وبالتالي من الممكن بالتأكيد أن تلتزم بكين بهذا الحجم مع إعطاء الأولوية لعمليات الانتشار البحري في جنوب شرق آسيا وجنوب المحيط الهادئ. ولكن نظراً لطموحات الصين الإقليمية الواضحة، فمن غير المحتمل أن تكون ثلاث سفن كافية لما قد تتخذه الصين من خطوات مستقبلاً. وقد تدفع بعض الأولويات “بحرية جيش التحرير الشعبي” إلى التطور بشكل أكبر، بما في ذلك التهديدات الأمنية للمواطنين الصينيين في باكستان، واستثمارات السلع والبنى التحتية في أفريقيا، والعلاقات الاقتصادية المتنامية مع دول الخليج. كما أن حصول الصين على موطئ قدم عسكري في غرب المحيط الهندي من شأنه أن يمنح بكين نفوذاً حاسماً في تنافسها مع نيودلهي، مما يسمح لها بممارسة الضغط على جانبي الجوار البحري الهندي إذا تزايد الاحتكاك في جبال الهيمالايا أو مع مجموعة الرباعية “كواد” (أستراليا، الهند، اليابان، والولايات المتحدة) بشكل أكثر خطورة.
تزايد معدل انتشار فرق عمل “بحرية جيش التحرير الشعبي” في المنطقة مع الوقت، مرتفعًا من متوسط 2.6 عملية نشر سنوياً بين العامين 2008 و2017 إلى 3.6 بعد ذلك. وسلط هذا الحفاظ على معدل النشر المتزايد خلال فترة جائحة “كوفيد-19″ الضوء على الأهمية التي توليها بكين للمنطقة، فضلاً عن الفطنة العملياتية المتزايدة لـ”بحرية جيش التحرير الشعبي” وقدرتها على إنشاء قوات التدخل السريع حتى في وقت الأزمات.
وبالتالي، يشكل التوسع السيناريو الأكثر ترجيحاً إلى حد كبير لعمل “بحرية جيش التحرير الشعبي” في الشرق الأوسط. فتوسيع الصين لمنشأة جيبوتي وسعيها إلى إنشاء قواعد جديدة في أفريقيا وباكستان والخليج العربي يشيران إلى اهتمامها بالإبقاء على أعداد أكبر من السفن الكبيرة في المنطقة. كما لا ينبغي استبعاد احتمال أن تقرر بكين التواجد بصورة دائمة بدلاً التواجد بشكل تناوبي. ولطالما سعت بكين إلى مقارنة وجودها العسكري الأجنبي مع الوجود العسكري للولايات المتحدة بشكل ما من خلال انتقاد الأعداد الكبيرة للقوات الأميركية المتمركزة في الخارج. ولكن فيما تستمر مكانة القوة البحرية للصين ومصالحها الاقتصادية العالمية في التوسع، يبدو أن قادتها أصبحوا يدركون قيمة تمركز القوات في الدول الصديقة والمهمة من الناحية الجيواستراتيجية.
وفيما يتعلق بالخليج العربي على وجه الخصوص، فإن إقامة وجود بحري مستمر داخل هذا الممر المائي وخارجه من شأنه أن يمنح بكين المزيد من الثقة في التدفق المستمر للنفط وأنواع التجارة الأخرى. وتدرك دول الخليج العربي، من جانبها، أن عصر النفط والغاز له عمر افتراضي، وهي حريصة على حشد الدعم الصيني للتحولات الاقتصادية الخاصة بكل منها، كما يتضح من استراتيجية “التطلع إلى الشرق” التي تنتهجها المملكة العربية السعودية. كما ستضمن الاستثمارات الخليجية واسعة النطاق في البنية التحتية للاتصالات السلكية واللاسلكية اهتمام بكين المستمر نظراً لريادة الصين العالمية في تنفيذ شبكات الجيل الخامس وأبحاث الجيل السادس.
تتمثل إحدى نقاط الخلاف المحتملة في حقيقة أن الصين لم ترغب أبداً في تولي مسؤوليات “الضامن الأمني” التي تمثل الهدف المعلن لتواجد القواعد الأميركية في الخليج. ولكن القاعدة الصينية المفترضة في الخليج قد توفر نظرة ثاقبة حول آمال “بحرية جيش التحرير الشعبي” في تعزيز وجودها: سراً.
سيتعين على بكين أيضاً موازنة علاقاتها مع الشركاء العرب وإيران. فمن ناحية، تعود علاقتها الدفاعية مع طهران إلى عقود. ومن ناحية أخرى، فإن العلاقات الاقتصادية مع السعودية والإمارات ودول مماثلة من شأنها أن تدر على الصين أرباحاً أكثر بكثير من أي شيء يمكن أن تقدمه إيران. ولا توجد مؤشرات واضحة على وجود خلافات حتى الآن، لكن إدارة التوقعات مع طهران ومنافسيها العرب قد يصبح سبباً لحدوث خلافات. وفي الواقع، أظهرت الرياض فعلياً استعدادها لاتخاذ إجراءات ضد القوى العظمى التي تشارك بشكل وثيق مع إيران (على سبيل المثال، التصويت لإدانة الغزو الروسي لأوكرانيا في الأمم المتحدة).
التداعيات على السياسة الأميركية
إن معظم دول الشرق الأوسط غير مهتمة باختيار أحد الجانبين في المنافسة الآخذة في التوسع بين الولايات المتحدة والصين. ومن الممكن توقع أن تسعى الدول العربية، على وجه الخصوص، إلى الحصول على أقصى فائدة من العلاقتين من دون إثارة حفيظة أي من الشريكين. وسيتجلى هذا التحوط في طرق عدة، ولكن في نهاية المطاف سيتوجب على واشنطن تحديد متى وكيف عليها أن تحد من تعاملاتها مع الشركاء الأمنيين التقليديين وفقاً لتزايد تعاملهم مع الجيش الصيني. وسيكون الاتصال الواضح أمراً حاسماً في وضع حدود لمعدات الدفاع والدعم الذي سيكون متاحاً إذا تطورت العلاقات مع “بحرية جيش التحرير الشعبي” لتبلغ مرحلة إنشاء القواعد أو الوصول العملياتي.
إضافة إلى ذلك، سيتوجب على “البحرية الأميركية” اعتياد العمل بصورة أكثر إلى جانب “بحرية جيش التحرير الشعبي” في المياه الإقليمية. فالتفاعلات بين الجهتين تعد شائعة أساساً وستصبح أكثر شيوعاً مع تقدم “بحرية جيش التحرير الشعبي” بصورة أكثر في المنطقة. ومن المستبعد أن تصبح هذه التعاملات عدوانية مثل تلك التي تحدث في “بحر الصين الجنوبي والشرقي”، إلا أنه من غير الممكن تفادي حدوث بعض الخلافات، بما في ذلك التكتيكات المحتملة مثل أساليب الاقتراب الشديد، ومراقبة المروحيات والطائرات من دون طيار، وحوادث الليزر.
بشكل عام، قد يشهد العقد المقبل تغييرات كبيرة في التوازن البحري في الخليج العربي والمياه المحيطة. وفي الوقت الذي يتم فيه إعادة توجيه القوات الأميركية المتواجدة بشكل ضئيل نحو آسيا، تعاود البحرية الصينية الظهور وتركز على التوسع في البحار البعيدة. ويتوق الشركاء الاقتصاديون والأمنيون التقليديون للولايات المتحدة إلى توطيد علاقاتهم مع أسواق الصين وشراء معداتها الدفاعية، في حين تراجعت العلاقات مع واشنطن بين الإدارات المختلفة. وبالتالي، سيتطلب التصدي لنفوذ بكين المتنامي على الجانب الغربي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ دبلوماسية بارعة ومشاركة دفاعية من واشنطن.
 
*بليك هيرزنجر: زميل غير مقيم في “معهد أميركان إنتربرايز” وضابط احتياط في البحرية الأميركية. الآراء الواردة في هذا المقال تخصه وحده ولا تمثل آراء مقر عمله المدني أو “البحرية الأميركية” أو “وزارة الدفاع الأميركية” أو “الحكومة الأميركية”.
 
*بين ليفكوفيتز: مساعد اتصالات ومساعد باحث في “معهد أميركان إنتربرايز”.