عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    26-Aug-2020

هدم المنازل يستهدف نقل رسالة للفلسطينيين: مكانكم ليس هنا - دمتري شومسكي

 

هآرتس
 
يصعب أن يخطر بالبال أن المستوى السياسي والمستوى الامني في اسرائيل لا يدركون أن هدم منازل العائلات الفلسطينية المشاركة في عنف قاتل ضد مواطنين أو في قتل جنود للجيش الاسرائيلي في اطار المقاومة العنيفة للاحتلال، لا يخلق في الجانب الفلسطيني أي ردع لاستمرار المقاومة. بالعكس، من المعقول الافتراض أن اسرائيل تعرف الحقيقة الواضحة والقاطعة، التي احسن وصفها جدعون ليفي قبل فترة قصيرة عندما قال “من بين انقاض كل بيت هدمته سينمو المخرب القادم” (“هآرتس”، 13/8)، لكنها تواصل عملية الهدم رغم هذا الادراك، ولاسباب عميقة لا تسمح لها بالكف عنها.
بالمفاهيم الجافة لتاريخ القضاء في البلاد، جذور اسلوب هدم منازل الفلسطينيين ردا على العمليات ونشاطات المقاومة التي تزهق حياة اسرائيليين، تعود الى السياق الانتدابي. الحديث يدور عن البند 119 من انظمة الدفاع لحالة الطوارىء، الذي ورثته دولة اسرائيل عن الانتداب البريطاني والذي بحسبه يمكن مصادرة أو هدم مبنى أو ارض يوجد شك بأنه جرى فيها استخدام للسلاح بصورة تخالف القانون، أو أن سكانه كانوا مشاركين في مخالفة أو “دعموا المخالفين”. ولكن الحقيقة هي أن الأسس السياسية – الايديولوجية لهذا الاسلوب ترضع من مكون عنصري ومن مركزية العرق للروح الصهيونية، الذي يحظى بالمكانة المهيمنة في الصهيونية منذ اقامة الدولة وأساسه مصادرة حق الفلسطينيين في وطن قومي بين النهر والبحر.
ابتداء من ايام النكبة التي فيها محيت عن وجه الارض قرى فلسطينية كاملة وانتهاء بعهد الاحتلال والاستيطان، اللذين يزرعان الدمار والخراب في الفضاء الفلسطيني على اساس يومي حتى هذه الايام، كان تدمير بيت فلسطيني خاص رمز قوي لدمار الوطن الفلسطيني القومي. نعم، كل بيت فلسطيني تم هدمه من اجل ارضاء شهوة العقارات الاستيطانية التي لا تعرف الشبع، استهدف أن ينقل للفلسطينيين رسالة قاطعة وهي: مكانكم ليس هنا. ولكن من الطبيعي أن تعيد اسرائيل تأكيدها مرارا وتكرارا كوسيلة لمعاقبة معارضة الفلسطينيين العنيفة لهذه الرسالة.
من المفهوم ضمنا أن راية الروح المشوهة هذه بشأن خراب البيت الوطني الفلسطيني، اسرائيل لا تستطيع أن تسمح لنفسها برفعه جهرا، مثلا، في الالتماس ضد هدم بيت نظمي أبو بكر، الفلسطيني الذي ألقى طوبة قتلت الجندي عميت بن يغئال، في الوقت الذي اقتحم فيه جنود جيش الاحتلال بيته. قارنوا بأنفسكم: القاضية ياعيل فلنر (التي كانت في وضع الاقلية) بررت رأيها ضد اتخاذ القرار بالحاجة الى جعل الفلسطينيين يفهمون مرة والى الأبد فكرة أنه ليس لهم الحق في الوجود القومي في ارض اسرائيل، وأنه من المفضل لهم التنازل لليهود أخيرا في الصراع على هذا الحد والمغادرة بشكل طوعي مثلما حدث في العام 1948. ليس من المستبعد أنه حتى اشخاص عنصريين مثل بتسلئيل سموتريتش كان سيتحفظ من تبرير كهذا، حيث أنه مثلما تعلمنا من المقابلة التي اجراها مؤخرا معه رفيت هيخت، أنه حتى سموتريتش واليمين المسيحاني يتضح لهما بأن الصورة الاخلاقية لاسرائيل هي أمر مهم. في المقابل، وزير الصحة يولي ادلشتاين، الذي يعرف أمر أو امرين عن العقاب الجماعي على اساس قومي من الواقع السوفييتي، كان قريبا من قول الحقيقة الايديولوجية الخفية بشأن هدم بيوت محاربين فلسطينيين ضد الاحتلال. “يجب اخراج بطاقة حمراء امام المحكمة العليا. قرارها يمس مرة تلو الاخرى بقيم دولة اسرائيل”، هكذا غرد ردا على الغاء أمر هدم بيت أبو بكر.
ما هي “قيم دولة اسرائيل” تلك التي مس بها القاضي مني مزوز والقاضي جورج قره عندما حكما بأنه يجب عدم ابقاء زوجة أبو بكر واولاده الثمانية بدون مأوى؟ هكذا قال الوزير ولم يفصل. ولكن يجب أن لا نخطيء. بقدر ما هو محزن الاعتراف بذلك، فانه مع أو بدون علاقة بالعمليات، انقاض بيت فلسطيني تعكس بدون شك احدى القيم المنفية لاسرائيل الحديثة.