"الذكاء الاصطناعي" سلاح ذو حدين.. هل نحسن استخدامه؟
الغد-علا أبو الخير
إن القفزات السريعة من التطور والثورات التقنية المتلاحقة التي أفرزها الذكاء الاصطناعي وأدواته المختلفة في الآونة الأخيرة، أثارت عددا من الآراء والمخاوف بشأن حدود قدراتها، بما في ذلك الاعتقاد بأنها وجدت لخدمة البشرية وتسهيل الحياة والعمل، ومن ناحية أخرى الاعتقاد بأنها تشكل خطرا حقيقيا يداهم المستقبل ويؤثر على مختلف جوانب الحياة.
وهنا يكمن السؤال.. هل الخوف من ذكاء الآلة مبرر؟ هل له أن يحتل مكان البشر أو يؤثر على حياتهم؟ وكيف يمكننا تطويع الأدوات التكنولوجية في خدمتنا وإدراتها بالشكل الصحيح؟
"من المستحيل أن أكون مرتاحا في التعامل مع الآلة وأشعر بفوبيا منها"، هذا ما يقوله عمر، معترفا بشعوره بالخوف من التكنولوجيا وعدم شعوره بالراحة في التعامل معها، ويعزي عمر هذا الهاجس من القلق إلى الخوف من فقدان السيطرة على الآلة وتحول زمام الأمور لها، تحديدا فيما يتعلق بالأمور المفصلية في الحياة، كما وصفها، كالخصوصية والبيانات وغيرها من المجالات الحساسة، كالتعليم والعلاج، على سبيل المثال.
وترى سمية محمود، أنه ليس هناك ما يخيف في ظهور الذكاء الاصناعي وتطوره، فنحن المتحكمون في أدائه، ونحن من نسيره لتحقيق ما نريد.
وتبرر وجهة نظرها، بأن المنافسة الحقيقية ليست مع الآلة وتقنياتها بل مع من يتقن استخدامها، لذا تعتقد أنه من الأفضل الاستفادة من التطور بطريقة إيجابية بدلا من التركيز على السلبيات، عن طريق محاولة التعلم واكتساب مهارات جديدة تطور من قدراتنا وفرصنا، لأنه مهما تطورت التكنولوجيا، من المستحيل أن تصل إلى مستوى التجارب الإنسانية الشعورية والعواطف البشرية التي تميزنا.
المختص في الذكاء الاصناعي المهندس حازم البيطار، يقول "التكنولوجيا، منذ ظهورها، أثارت مشاعر متناقضة بين الناس، من ناحية تعد مصدرا للتقدم والتطور، ومن ناحية أخرى ينظر إليها على أنها تهديد قد يحدث تغيرات غير متوقعة في حياتنا، والذكاء الاصناعي، بوصفه من أبرز التقنيات المعاصرة، فقد أثار الكثير من النقاش والجدل، سواء في اعتباره أداة ابتكار، أو أداة تولد المخاوف والاحتجاجات".
بحسب البيطار، تعود هذه المخاوف إلى عدم القدرة على مواكبة السرعة الكبيرة لتطور التكنولوجيا؛ حيث يشعر كثيرون أن هذه التطورات تحدث في وتيرة أسرع من قدراتهم على فهمها والتأقلم معها، ما يولد بدوره شعورهم بالتهميش وعدم القدرة على التفاعل مع التكنولوجيا الحديثة بطريقة فعالة.
إضافة إلى ذلك، القلق الشائع من فقدان الوظائف بسبب التكنولوجيا و"الأتمتة"، تحديدا مع تطور الروبوتات والذكاء الاصناعي؛ حيث أصبح هناك تهديد حقيقي للوظائف المستقبلية التي كانت حكرا على البشر، وتنامي المخاوف المرتبطة بتفوق الذكاء الاصناعي في مجالات عديدة على البشر، وأن يحل محلهم في العمل ويأخذ أدوارهم التقليدية في المجتمع.
ويأتي ذلك، في وقت تقول فيه نسب لمنظمة العمل الدولية، إنه من المتوقع فقدان نحو 85 مليون وظيفة بحلول العام 2025 على أثر الثورة الصناعية الرابعة، في 15 صناعة في 26 اقتصادا كبيرا، بينما من المتوقع أن يتم خلق حوالي 97 مليون دور جديد ووظيفة جديدة، على أن تكون هذه الوظائف مدفوعة بالنمو الكبير في المنتجات والخدمات الجديدة التـي ستقتضي أن يعمل البشر مع الآلات والخوارزميات.
ويتابع البيطار "وفي حالات كثيرة، يرتبط الخوف من الذكاء الاصطناعي بالاعتقاد بأنه قوي وذكي للغاية، بحيث يمكنه اتخاذ قرارات دون تدخل بشري، وهذا القلق يتصاعد عند الحديث عن الروبوتات التي قد تستخدم في المجال العسكري أو في أماكن يمكنها إلحاق الضرر بالبشر، علاوة على مخاوف الانتهاكات المحتملة للخصوصية التي أصبحت في خطر، لا سيما مع وجود تقنيات قادرة على جمع البيانات وتحليلها بسهولة".
وعلى صعيد آخر، يوضح البيطار أن للتكنولوجيا فوائد عديدة، فهي أسهمت في تطوير المجتمعات وسهلت الحياة اليومية في جوانب عدة، كما أنها قدمت فرصا هائلة في مجالات الطب والتعليم والأعمال وغيرها من القطاعات، من خلال تسهيل حل مشكلات معقدة وتسهيل الأمور التي كانت تعد صعبة في الماضي، على سبيل المثال، وفر الذكاء الاصناعي تقنيات تشخيص متقدمة وتخطيط استراتيجية علاجية فعالة، وفي التعليم يمكن لتقنيات الذكاء الاصطناعي توفير تجارب تعليمية مخصصة للطلاب ومساعدتهم على تحقيق التقدم في الدرجات العلمية.
إلى ذلك، يمكن القول إن الذكاء الاصطناعي مثل أي تقنية جديدة، يحمل معه فوائد ومخاطر، لذا على المجتمع أن يوازن بين هذه المزايا والتحديات لضمان استخدامه بطريقة تعود بالنفع على الجميع.
ويوضح في هذا الصدد، أنه على الرغم من تحسين التكنولوجيا لجودة حياتنا في جوانب عدة، إلا أن هناك تأثيرات سلبية محتملة ومخاوف مشروعة، منها مرتبطة بسوء استخدام التقنية مثل "الهجمات الالكترونية" التي تستخدم لاختراق البيانات الشخصية، أو حتى الاتكالية الزائدة والمبالغة على الأجهزة والتقنية وما تولده من تعطيل للقدرات البشرية والعقل وقدرته على التحليل، حيث يفقد الأشخاص قدرتهم على التفكير التحليلي واتخاذ القرارات بشكل مستقل، ويجعلهم أقل قدرة على التكيف مع الظروف غير المتوقعة.
ومن هنا، يؤكد ضرورة إدارة التقنيات الحديثة بشكل صحيح من خلال الوعي والتعلم المستمر، لتحقيق الاستفادة القصوى من التقنية بعيدا عن مخاطرها، إضافة إلى تحقيق التوازن بين استخدام التقنية والاعتماد على القدرات البشرية، والتحلي بالوعي الأخلاقي بطريقة تحترم حقوق الآخرين ولا تضرهم.
وفي مثال على ذلك، بدأ آدم في تعلم مهارات التعامل مع تقنيات الذكاء الاصطناعي ومحاكاتها منذ أكثر من عام، للاستفادة منها بأفضل صورة ممكنة، ويوضح "على الرغم من نسبة الخطر التي قد يحملها الذكاء الاصطناعي وتهديده لعدد من الوظائف التقليدية، إلا أنه مستقبل لا مفر منه وليس صعبا على أبناء عصر الانفتاح التكنولوجي التعلم والتعامل مع الأدوات الجديدة والمختلفة".
ويقول "لا يمكن إنكار وجود نسبة من الأخطاء والفجوات أو حتى "منطقة غباء" لدى الذكاء الاصناعي، إلا أن قدرة البشر على استخدامها في شكل صحيح هي المتحكم الرئيسي في مخرجاتها. وفي المجمل أعتقد أن نسبة الخطورة تعود على غير الملمين في التكنولوجيا".
وهكذا هو الحال مع أماني ناصر، التي تعمل في مجال كتابة المحتوى؛ حيث تستعين في تطبيقات الذكاء الاصطناعي في عملها كتطبيق "شات جي بي تي" و"جوجل بارد"، وفي الوقت ذاته تنوه إلى أن هناك نقاطا أساسية عدة في التعامل مع هذه التطبيقات ولا يمكن إقصاء الفكر والدور الإنساني التحليلي فيها، حيث يحتاج استخدام هذه الأداة إلى مهارة ومعرفة في طريقة طلب المعلومات والمحتوى من الموقع وليس طرح عشوائي، عدا عن ضرورة وجود معلومات كافية لدى الباحث عن المعلومات لتوجيه الأداة فيما يخدم الهدف، وهذا كله يلخص القول "إن الآلة لا تستطيع التفكير والعمل بالنيابة عن البشر".
وعلى الصعيد النفسي، تبين الاختصاصية النفسية عصمت حوسو، أن الخوف أو الفوبيا من التكنولوجيا غالبا ما يأتي بسبب "الاعتياد"، فالإنسان بطبعه يرتاح لما يعتاد عليه وأي خروج عن دائرة الراحة يقلقه، وفي معظم الحالات يقترن الخوف من التكنولوجيا بالأجيال القديمة الذين اعتادوا الطرق الكلاسيكية، وهذا بالتأكيد سيولد لديهم القلق من التعامل مع الأدوات الحديثة.
أما الأجيال الأصغر فهم نشأووا على وجود التكنولوجيا واعتادوا أدواتها منذ طفولتهم سواء في المنزل أو في الدراسة، وبالتالي فهم الأقدر على التعامل معها والانفتاح على تطوراتها المختلفة، وفق حوسو.
وتتابع "في حالات أخرى، قد يتولد لدى بعض المستخدمين فوبيا من التكنولوجيا جراء تعرضهم لحادثة مؤلمة أو لأذى عبر هذه الوسائل الحديثة، مثل التلاعب بالبيانات أو سرقتها أو الاختراق أو حتى التشهير والابتزاز وغيرها من التجارب السلبية التي تطورت بتطور أدوات العصر".
إضافة إلى أن الانفتاح المتسارع لم يواكبه تطور في الأدوات، تحديدا في المجتمعات النامية ودول العالم الثالث، ما تسبب في تزايد المشكلات والقلق لدى المستخدمين بسبب اضطرارهم إلى استخدام كل من الطرق التقليدية والإلكترونية في كثير من الأوقات لإنجاز أمر معين.
وتوضح، لكن لا يمكن للإنسان أن يعيش بمعزل عن التطورات، ولا سيما في عصر الانفتاح التكنولوجي والثورة التقنية والذكاء الاصطناعي، والتعلم والانفتاح على التغيير يساعد الإنسان على تجاوز مخاوفه المرتبطة في المجهول والخطر المتوقع.
وتبين، أنه في مقابل "التكنوفوبيا" التي تتواجد بنسب بسيطة، لدينا "نوموفوبيا" وهو الشائع في العصر الحالي، ويعني التعلق الشديد بالأجهزة والتكنولوجيا.
وفي ختام حديثه، يعود البيطار بقوله "العالم التقني في تطور مستمر، وعلينا التكيف مع هذا التطور من خلال تعلم مهارات جديدة وفهم آخر الابتكارات". ويتفق مع حوسو بأن الهدف من استخدام هذه الأدوات تحسين حياتنا وليس إضافة عبء إليها، لذا ينصحان بمتابعة التطورات والتحديثات المستمرة والتعلم لاتخاذ قرارات مستنيرة حول استخدام التكنولوجيا الحديثة والاستفادة منها.