عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    06-Feb-2024

يكبرون قبل الأوان.. عبارات يطلقها آباء تنفر الأبناء وتعزلهم عن المحيط

 الغد

ربى الرياحي
" لساتك صغير، لما تكبر، لاحق تعرف، مش وقته تسأل، ما رح تفهم هلا، عقلك ما بيستوعب"؛ تلك بعض من عبارات تؤثر سلبا بشخصية الأطفال، وقد تدفعهم لأن يكبروا قبل الأوان كردة فعل على إقصائهم وقمع فضولهم أو التعامل معهم كما ينبغي ضمن حدود إدراكهم.
 
 
وفي الوقت الذي يراه الأطفال قمعا، يراه أهال خوفا، وبهذه القناعة تحاول نهلة أن تربي طفليها وحمايتهما طوال الوقت، حيث تخفي الحقيقة عنهما وفي كل شيء تقريبا، مشيرة إلى أن الحياة مخيفة جدا وما يجري فيها من أحداث غالبا يفوق قدرة الكبار على الاستيعاب فكيف الصغار لكن طريقتها هذه لم تعد مقبولة بالنسبة لطفليها مؤخرا.
 
وتبين أن أسئلتهم تزداد يوما بعد يوم حتى تصرفاتهم تغيرت فهما يريدان أن يثبتا أنهما كبرا بأي طريقة وهذا ما بات يشعرهما بالضياع والقمع.
الخطأ الذي يرتكبه الأهل عندما يتجاهلون أن الحياة بكل مجرياتها تتغير وكل حديث لهم سيشكل شخصية أبنائهم ومسارهم في الحياة، وإن كان هنالك موضوعات لا يرغبون بأن يطلع عليها أطفالهم ينبغي أن تقال بطريقة تحترم عقولهم، وتؤهلهم لحقيقة أن لكل شيء أوانه، فيعيشون بهدوء بعيدا عن مشاكل عالم الكبار.
 لكن هناك من الأطفال من تنتقل إليهم هذه العبارات بطريقة معاكسة فيتلقونها بسلبية تشكل لديهم أفكارا خاطئة لكونهم صغارا فيقررون أن يتسابقوا مع الزمن. وهذا  ما يعيشه الطفل حمزة (12 عاما) والذي يبحث عن كل شيء يجعله كبيرا سواء في تصرفاته أو حتى كلامه فهو لا يضيع أي فرصة تحرره من كونه طفل، لذا يحاول دائما أن يفكر كما لو أنه شخص كبير طريقة كلامه أجوبته حتى ملابسه وشكله كلها تفاصيل يلجأ إليها ليثبت أنه أصبح كبيرا ويفهم كل شيء.
حمزة ولأنه يريد أن يكون كبيرا قبل الأوان ابتعد عن طفولته وعزل نفسه عن أصدقائه وزملائه في المدرسة فقد بدأ يرى نفسه الأفضل بينهم  والأذكى، والحقيقة أنه مهما فعل سيبقى طفلا غير مدرك لكثير من حقائق الحياة.
وفي هذا الخصوص يرى الاختصاصي النفسي الدكتور موسى مطارنة أن كلام الأهل مع أبنائهم يجب أن يكون محسوبا لكونه يؤثر في مجرى حياتهم وأيضا يشكل هويتهم. ويتابع الحديث: "أن تربي طفلا مسؤولا واعيا ليس بالأمر السهل فهو يتطلب الوقت والجهد والأساليب المناسبة، وخوفنا على أطفالنا لا يعني أن نعزلهم عن الواقع ونمنعهم من أن يعرفوا ويكتشفوا".
ويلفت إلى أن المنع بدافع الخوف الزائد يولد لديهم ردات فعل سلبية فيصبحون أكثر عنادا، وهذا بالطبع يدفعهم لأن يتصرفوا خلاف طبيعتهم، وخاصة عند سماعهم لبعض الجمل التي تستفزهم لأن يغيروا من أنفسهم "لساتك صغير ولما تكبر بتعرف" مثل هذه العبارات وغيرها يقولها الأهل؛ ليتهربوا من الجواب أو بقصد الحماية أو لأنهم لا يجيدون الأسلوب المناسب للتحدث مع أطفالهم ومحاورة عقولهم حسب عمرهم ووعيهم.
 وهنا، وفق مطارنة، يضيع الطفل فيفقد مكانه الطبيعي بين الصغار لا يعرف أين هو بالضبط، وذلك عندما يتسابق مع نفسه وإمكاناته الطفولية ليثبت لأهله أنه أصبح شابا كبيرا وأنه يستطيع أن يفهم كل شيء. ويبين أن هذه الحالة هي ردع لتفكير الطفل وتطوره لأن الطفل بطبيعته يحب أن يسأل ويكتشف ويجرب، لكن المشكلة تكون عندما يشعر بالقمع رغم اختلاف دوافع الأهل، وبالتالي ينتكس ويحدث لديه بطء في النمو وقدراته التحليلية والأصل في الأهل أن يعتمدوا التحفيز مع أطفالهم والتصويب من خلال النموذج. 
وبدوره يوضح الاختصاصي التربوي الأسري الدكتور عايش نوايسة أن لكل طفل ظروفه وقدراته واهتماماته، وتربيته على المسؤولية لا تعني حرمانه من طفولته، لافتا إلى أن الأطفال بشكل عام يختلفون بمستوى وعيهم وقدرتهم على التحليل والاستنتاج وهم على درجات متفاوتة من الفضول، ولذلك لا بد من تفهمهم والتعامل معهم بحذر بعيدا عن القمع والخوف الزائد والاستخفاف بإمكاناتهم بحجة أنهم أطفال لا يفهمون شيء.
 وبحسب نوايسة، فإن الطفل يتحول إلى شخصية عنيدة عندما يشعر بأنه ممنوع من الاكتشاف والاستفسار عن بعض الأمور التي تحدث حوله، وهذا حتما يدفعه لأن يتخلى عن طفولته محاولا أن يكون الأفضل والأذكى فيصطدم بالواقع لكونه ما يزال صغيرا وليس لديه الإمكانات والتجارب الكافية لفهم حقائق الحياة وهذا ما يجعله عاجزا فهو من جهة لم يستطع أن يعيش طفولته ومن جهة أخرى لا يمكنه أن يعيش كالكبار. 
 وينصح نوايسة أن يعطى الطفل مساحته ليعرف ويجرب لكن ضمن الحدود وبطريقة تسمح له بأن يأخذ مكانه المتوازن بين الأطفال وتدريبه على أن لكل شيء أوانه، وأن لكل مرحلة متعتها ومزاياها وأن يكون ذلك بقول العبارات المحفزة التي تصقله نفسيا وتربويا.