عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    02-Jul-2020

ظلال تموزية* رمزي الغزوي
الدستور -
 
 
 في تموز لا ترتفع معدلات الجرائم والسرقات والمشاجرات والمشاحنات والطلاقات فقط، ولا تتحمحم بالندوب والكروب والخصومات. بل تموز كان منذ البدء شهراً موغلاً في العنف حدّ الذرة وقنابلها، ومتخماً بالثورات والانقلابات، وحركات التصحيح، وشرارات الحروب.
 
 ربما يحلو للبعض منا أن لا يدين البشر كل الإدانة لعنفهم في هذا الشهر، بل يدين هذا الحرّ الجهنمي الذي يجعلنا نزقين ومنفعلين كقطرات ماء سقطت في زيت المقلى. فالثورة الفرنسية اشتعلت في تموز 1789، والمصرية 1952، والعراقية 1958، الحرب العالمية الأولى1914، وأمريكا فجرّت قنبلتها الذرية (التجريبية)1941، فاتحة باباً لجحيم لا ترحم.
 
 حين كنا نمدّ فراشنا فوق أسطح البيوت هربا من فرن البيوت، نفتش عن درب التبانة، كي تعبره أحلامنا الوادعة، ونقبض على الدب الأكبر، وننتظر طلة قمر تموز خجلى. وعلى ذكر القمر، فهذا الشهر أسقط القمر من عيون الناس، فبعد أن كان نبراساً للحب وإلهاماً للشعراء، غدا صحراء قاحلة لا حياة فيه، بعدما دبّت عليه أقدام الإنسان في تموز 1969 حطّ (أرمسترونج). فهل سنتشبث بأسطورة قمر كنا نشبه به وجه الحبيبة الناعسة؟!.
 
 وذات جنون تموزي طويييييييل تمنيتُ أمنية عمانية لذيذة: تمنيت نهراً من الشنينة الباردة، يشق مدينتنا، ويلطف أجواءنا، ويخفف ثقل (غيمة التلوث)، التي تخنق سماءنا، وتكبت أنفاسنا، بسبب السيارات وتناسلها الرهيب. هذا النهر الشنيني سيكسر أسنان هذه موجة العنيدة، ويلوي عنقها، ويعيدها إلى صحرائها فارعة دارعة. 
 
 حتى أمنا الأرض لم تسلم من هذا الشهر، فقد قام البحّار (مجلان) برحلته الشهيرة عام 1519 ليثبت بذلك كرويتها، وأنها ليست مركزاً للكون. نعم، نعم، الأرض كروية، وما زالت تتلقى الركلات والدفشات والويلات. 
 
 وفي تموز 1099 سقطت القدس، ثم استردها صلاح الدين بعد 88 عاماً من الصلبيين. وكنّا نقول في المثل (فلان أكذب من سحاب تموز)، وهذا ما يجعلني أتلفت سماءً وأرضاً؛ عسى بارقة أمل تُبذر في رمادنا الساخن. وما زلنا نقول هذا القول بطرق أخرى.
 
 تموز هو سيد (راع) في المعتقدات البابلية، وعموم بلاد الرافدين، تقدم لخطبة (عشتار) سيدة الخصب والحب، فقبلته. لكنه يقتل غيرة من أسياد آخرين، وتتبعه حبيبته عشتار إلى العالم السفلي لتسترده، وخلال هذه الفترة تظهر على سطح الأرض مظاهر الموت والاصفرار، وهذا ما كان يجعل عباد عشتار وعشاقها يقومون بطقوس العويل والبكاء؛ في هذا الشهر، حتى تعود إليهم بمظاهر الخصب والحياة ذات ربيع؟!.