الدستور - ما اروع ان تقدم الخير للاخرين، والاروع الابداع في طريقة تقديمه، وهذا ما لمسته اثناء ممارسة ما احب من رياضة المشي في منطقة اعشقها وهي وسط البلد في عمان.

 فهذه المنطقة لها ذكريات لا تستطيع نسيانها ولو وصلت الى ارذل العمر وبالتحديد عند نقطة تصل جبل اللويبدة والذي يعد من اقدم معالم عمان العاصمة القديمة الى جانب المحطة والنصر وهو درج الكلحة والذي يعود الى ثلاثينيات القرن الماضي وسمي بهذا الاسم كناية لعائلة الكلحة التي ادارت مطعما في اسفله.

 وما لفت نظري اثناء مروري بالمنطقة وجود مطعم شعبي جميل جدا في فكرته وهيئته ويقع في منتصف الدرج تقريبا وتحيط به جداريات جميلة تعكس عروبة من قاموا برسمها على الجدران المحيطة، هذا المطعم والذي اسماه من اسسه مطعم « عزوتي» 

   وروست اليافطة بأنه مطعم غير ربحي ومالكه الشعب الاردني.. يا الله ما اجمل هذه العبارات والتي تنم عن حب للخير يهدف صاحبه الى تقديم ما يستطيع من طعام لمن لا يملكون المال او ممن تقطعت بهم السبل ويحتاجون الى الغذاء مجانا ومن دون مقابل وفي الطرف الاخر اسعاره لمن يستطيع السداد في متناول الجميع.

 وما ان قرأت يافطة المطعم حتى ساقتني قدماي اليه لأجلس ولاشعوريا في احدى طاولات الطعام والتي وضعت بعناية فائقة في منتصف الدرج وبشكل لا يعيق المارة وفي الوقت ذاته تستمتع بجمالية المكان والذي يعيد لك الذكريات في مكان ارتاده الاباء والاجداد وحاليا الاحفاد والذين قاربوا على ان يكونوا اباء، كيف لا وهي سنَة الحياة، ثم طلبت ان اعرف ماذا يقدمون فعرفت انه بسيط وشعبي وسألت العامل فيه عن سبب التسمية فقال انه يعود في ملكيته لشخص آمن بتقديم الخير للآخرين وسعى لتحقيق ذلك من خلال اوجه خير يقوم بها ومنها هذا المطعم وللمصادفة رأيت رجلا هرما تركت السنون ملامحها على وجهه ويبدو عليه ضيق ذات اليد فقير ويحتاج الى الطعام وكان ينتظر الانتهاء من اعداد ساندويشات طلبها وفور ان جهز طلبه قدمها له العامل وغادر فورا.

 المشهد استرعى انتباهي واعجابي بفكرته الخلاقة والتي كم تمنيت ان يطَلع عليها الاخرون ممن يبحثون عن اوجه الخير لتقديمها لمن يحتاجونها..

فكرة المطعم والتي انطلقت من درج تاريخي يحكي قصة المدينة وبعدد درجات يصل الى نحو 112 درجة وعمره قارب المئة عام يعكس جمالية سلوك العمانيين في حبهم للخير وتقديم المساعدة للآخرين.. فهل تعمم الفكرة في القريب العاجل، وتحكي قصة جميلة تجمع بين جيلين؟