Friday 19th of April 2024
 

عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 

مواقع التواصل الاجتماعي

 
 
  • التاريخ
    05-Aug-2005

اللغة العربية ودراساتها في جامعتي لاند وستوكهولم

الغد -

البحوث والدراسات عن العالمين العربي والإسلامي في السويد( 3-3)

في القرن التاسع عشر، كانت كراسي اللغات الشرقية في كل من جامعتي أوبسال ولاند تتحول تدريجياً إلى كراسي للغات السامية. وكان الكرسي الذي ما يزال يطلق عليه "كرسي اللغات الشرقية" يشغله منذ عام 1879 ايزاس تينر الابن Esaias Tegner fils (1919-1843) الذي كان يدرس : اللغات الأرمينية؛ والعبرية؛ والعربيــة؛ والفارسيــة؛والسنسكريتيــة.

وباستثنــاء بحثــه عــن De nunnatione arabica وعرضه للدراسات الآشورية، فإن بحوثه توجهت أكثر ما يكون نحو الدراسات اللغوية المقارنة الهندية الأوروبية. وقد طالب بأن يكون للغة السنسكريتية واللغات الهندية كرسي منفصل.

وُعين تينر الابن على رأس لجنة الترجمة الجديدة للتوراة، وقد جرت أكبر

مساهمات هذا الرجل البارز خارج الدراسات العربية.

أما خلفه أكسيل موبيرغ (1937-1872) A. Moberg الذي يُعد واحداً من أكبر المستعربين السويديين؛ فقد قاد الدراسات السامية في جامعة لاند إلى المستوى نفسه الذي كانت تعرفه جامعة أوبسال. فمن بين أعماله عن فقه اللغة العربية، يمكننا أن نذكر بحثه "ترجمة وتعليق على سيرة عبد الله بن عبد الظاهر حول السلطان الملك الأشرف خليل"، ومقاله عن "سورة الناس في العرف الإسلامي"(القرآن 9(37 :، ونشره لـ :

Zwei ?gyptische Waqfunden aus dem Jahre 691/1292

مــع الترجمــة، وكلاهمـــا كان على شرف إيزاس تينر الابن . كما أنه نشر شعراً لعبيد الله بن أحمد الميكالي ) ليبزغ، 1908 ( ناهيك عن مساهمته العامة في فقه اللغة السوري .

ولما كانت سير المستشرقين نادرة للغاية، فقد حظيت سيرته بقدر كبير من الاهتمام، فالسويد مدينة له بترجماته الجميلة جداً لحكايات عربية ومختارات لقصة ألف ليلة وليلة.

أما الذي خلف أكسيل موبيرغ؛ فهو سفين ديدرنغ S. dedering 1897-1979 الذي يمثل تقليد زيترستن، بوصفه ناشراً للنصوص وسائراً على تقليد نيبرغ حين يتعلق الأمر باستكشاف البيئة والأفكار التي تحيط بالنصوص. ويشهد على ذلك النشرة

الرائعة التي اعتمدت على مخطوطة واحدة هي "ذكر أخبار أصفهان" لأبي نعيم (Le Monde Orienta,1927 ) التي تحتوي على 769 صفحة، ومقدمة جغرافية تاريخية، وتعليقات قيمة. فهي مدونة عن أخبار مدينة أصفهان تضمنت عدداً كبيراً من ترجمات السير للعلماء التقليديين (السلفيين) الأكثر أهمية في المدينة، إضافة إلى دراساتهم وبحوثهم. وقد أثبت ديدرنغ فيها خبرة كبيرة في علم الحديث الذي يمثل سنة الرسول محمد.

ومن بين الدراسات التي نشرها ديدرنغ، و يجدر ذكرها كتاب "التنبية والرد"(اسطنبول، 1936).

إنه كما يقول عنه هنريك.ص. نيبرغ "النص العربي الذي لم أر له مثيلاً في الصعوبة". ويبحث هذا النص الذي يعود إلى الملاطي في طائفة القرامطة السياسية الدينية. فالمقدمة التي كتبها ديدرنغ تتناول جذور هذه الطائفة شبه الشيوعية منذ إيران الساسانية، فالكتاب يمثل، إلى حد ما، فهرساً للمهرطقين" ، وبصفته ناشراً للنصوص العربية"، كما يقول جيو ويدنغرن G. Widengren (10)، "فإنه يجب اعتبار ديدرنغ الأول في بلدنا حالياً... على الرغممن وجود تورنبيرغ!".

وفي عام 1959، قررت الجامعة تخصيص كرسي منفصل للغات الشرق الأقصى. ونحن نذكر أن إيزاس تينر الابن كان قد طالب في السابق بكرسي منفصل للغة السنسكريتية واللغات الهندية في جامعة لاند، وبالنتيجة فإن كرسي "اللغات السامية" أعيد تسميته بكرسي "اللغات السامية".

أما غوستا فيتستام Gosta Vitestam المولود عام 1923؛ فهو أستاذ الكرسي التاسع عشر للغات الشرقية)السامية( منذ عام 1668 في جامعة لاند. فعام 1968 حل مكان سفين

ديدرنغ مدشناً بذلك العصر الحديث في تدريس اللغة العربية، إذ بدأ معه عهد جديد. وكان فيتستام قد نشر، من بين أشياء أخرى، كتاب "طبقات الفقهاء الشافعيين (1964)"، وكتاب

"الرد على جماعة أبي سعيد" (1960) وله ترجمة جميلة باللغة السويدية لمعلقة امرئ القيس تشهد على اهتمامه الكبير بالشعر العربي القديم الكلاسيكي.

وبالطبع، فإن لغويين معروفين أمثال المتخصص باللغة الإيرانية هانس سكيولد H.Skiold، والمتخصص باللغة التركية غونر جارينغ Gunnar Jarring ( قد استفادوا أيضاً من التقليد الطويل للدراسات العربية في جامعة لاند) التي شهد كرسي اللغة العربية فيها تغيراً مستمراً، بلغ ذروته في الجيل الجديد.

وقد مكّن انتشار الدراسات العربية على المستوى الدولي، هذه الأيام، أن يعمل

مستعرب ألماني في جامعة لاند، والشيء نفسه ينطبق على السويدي الذي بإمكانه الحصول على كرسي في كوبنهاغن.

لغوي ذو بعد إنساني

لقد طبع التقليد الكبير الذي عرفته الدراسات العربية في أوبسال بشكل عميق بتأثير كبار الإنسانيين عليه أمثال: سودربلوم؛ أندرا؛ نيبرغ، الذين كانوا يعتقدون أنه من الصعب فصل لغة ما عن ثقافة وحياة الناس الذين يتحدثون بها. وقد تابع تلاميذهم البحوث في تاريخ الأفكار الإسلامية، والدين، والاجتماع، والأخلاق؛ أي باختصار ثقافة العرب.

إن المواضيع التاريخية دقيقة وحساسة، لذا فقد كتب الباحث فـي الدراسـات الإيرانيـة والسنسكريتيـة المعـروف ستيـغ ويكانــدر S. Wikander وهو واحد من أوائل تلامذة نيبرغ الذين كتبوا عن ابن فضلان ولقائه مع الفيكينغز في الشمال في العصور الوسطى، وأصدر كتباً أخرى تتعلق بالدراسات العربية المعمقة. وهناك تلميذ آخر لنيبرغ هو أرن ميلفينغز A. Melvings المولود عام 1909، الذي ألف عام 1955 كتاباً عن "غزوات الفيكينغز حسب المصادر العربية".

أما ف. راندغرين الذي كان أستاذاً في جامعة أوبسال فترة أطول من هنريك.ص نيبرغ، فقد ورث علم الكلام واللاهوت الإسلامي من معلمه، وهو منكب حالياً على كتابة قصة الفلسفة الإسلامية الكبرى التي ستصبح عمله الأساسي، فللاستشراق عنده، كما كان بالنسبة لنيبرغ، بعد إنساني.

لقد استمر السويديون في طباعة النصوص العربية ونشرها ضمن إطار التقليد الصارم الذي وضع أسسه زيترستن في جامعة أوبسال وموبيرغ في جامعة لاند. وبلغ التقليد السويدي القديم فيما يتعلق بالدراسات الإثيوبية أوج مجده مع جوهنس كولمودن J.Kolmodin، وتم تعزيز هذا التقليد مع أوسكار لوفغرن 1922-1898 O.Lofgren، الذي أصبح الرجل الذي يلي نيبرغ مباشرة، بعدما كان أستاذاً لسنوات طويلة في مدرسة ثانوية في إحدى الضواحي، وأستاذاً في جامعة غوتينبورغ.ولقد ميزته مقالته عن الترجمات الإثيوبية للنبي دنيال( أوبسالة عام 1927) باعتباره ناشراً بلا منازع للنصوص الأثيوبية.

وعززت نشراته وترجماته البحثية مثل نصوص حول "التعرف على مدينة عدن"(1936/ 1950 أجزاء من طقوس " عالم الحيوان" للجاحظ((1946، ابن المقاوير، ووصف لجزيرة العرب الجنوبية Descriptio 1954-1951 Arabiae Meridionalis، وبحوثه عن الحمداني )و بسالة 1935) إضافة إلى نشره كتاب "الإكليل للحمداني " 1954، قلتُ عززت هذه المؤلفات الشهرة الكبيرة لهذا العالم ذي الـ 94 عاما. وتابع تلميذ لوفغرن كريستوفر تول Chrstopher Toll المولود عام 1931 اهتمام أستاذه بالحمداني، فنشر كتاب الحمداني "الجوهرتين العتيقتين المعدنين الأصفر و الأبيض " (أوبسالة 1968)، الذي أصبح مشهوراً بفضل هذه الدراسة. لقد كان الدكتور تول الذي تعلم العربية على يد نيبرغ واحداً من آخر أفواج نيبرغ الذين حصلوا على شهادة الدكتوراه من جامعة أوبسال. ويشغل تول حالياً، وظيفة أستاذ اللغات السامية في جامعة كوبنهاغن. وما يجدر ذكره هنا، أن اهتمام تول برمزية اللغة الآرامية عبر اللغة الإيرانية ( البهلوي)، هو اهتمام ورثه من أستاذه نيبرغ.

ولتأكيد استمرارية الدراسات الشرقية إلى الآن في جامعة أوبسال، يمكننا أن نشير إلى أن السيدة إيفا رياض المولودة عام 1926 (13) والمحاضرة المتفرغة في الدراسات العربية والخبيرة في النصوص السورية والعربية، هي حفيدة ناثان سودربلوم، وهكذا تغلق الدائرة وتتكامل.

الدراسات الحالية

لأول مرة، يشغل أستاذ اللغة السامية من جامعة لاند تريغف كرونهولم Tryggve Kronholm المولود عام 1939 كرسي اللغات السامية في جامعة أوبسال، فهو متخصص بالدراسات السامية واللاهوتية، وباحث متعمق في التقليد القديم. وكان قد توجه نحو الدراسات العربية بعد مناقشة أطروحته عام 1974، إذ تعلم فقه اللغة على يد أساتذة كبار، وأصبح متخصصاً في العهد القديم والقرآن، ومتعمقاً، فيما بعد، بعلوم القرآن والسنة.

وعمل كرونهولم على نشر طبعة أساية التي تعتمد على أربعة مخطوطات لكتاب أدبي معنون "الجليس الصالح والأنيس الناصح" المنسوب إلى سبط بن الجوزي. كما أنه كرس وقته للدراسات التوراتية والحاخاماتية، واللغة العبرية الحديثة. ويكتب كرونهولم حالياً عن تاريخ الأدب العربي منذ الأصول إلى العصور الحديثة. وبدافع حماسته لتوسيع المعارف المتعلقة باللغة العربية بالمعنى الواسع لدى جيل الشباب، أدخل دروساً في "الاستشراق" إلى جامعة أوبسال، مركزاً على اللغتين العربية والفارسية. فكانت هذه الدروس بالاستشراق متاحة لجميع الطلاب، تمنحهم فرصة التخصص في الاقتصاد، والاجتماع، واللغة لمنطقة غرب آسيا.

إن هذا الأسلوب في الدراسات التطبيقية كان قد أدخله سابقا إلى جامعة لاند المحاضر المتفرغ للغة العربية بينغت كنيتسون Bengt Knutsson، فقد نظم دروساً ممتعةً جدا ومفتوحة لطلبة الكليات كافة في مجالات اللغة والثقافة العربية، تكملها معرفة عامة عن الدين. وكان الهدف من هذه الدروس التعرف إلى اللغة العربية الفصحى، إضافة إلى اللهجات المختلفة، ولا سيما اللهجة المحكية. ولم يكن بالإمكان أمام الطلبة، لسوء الحظ، فرصة دراسة اللغة في بلد عربي لمدة عام كما هي الحال بالنسبة للطلاب في الجامعات الأميركية. وفي الوقت نفسه، تطورت الدراسات العليا في جامعة لانـد بنشـر البحوث التقليدية مثل بحث المحاضر المتفرغ بو. لينـدن B. Lundon تحت عنوان " بيبرس المنصوري : مواعظ الأبرار " ( ي. ج. بريل، ليدن 1983).

جامعة ستكهولم

في ستكهولم، اكتسبت الدراسات العربية الحديثة موقعاً مرموقاً مع إنشاء كرسي متخصص فقط باللغة العربية الحديثة عام 1960، الذي شغله آنذاك عالم عربي هو عامر عطية الذي وردتنا منه مؤلفات الأنباري النقدية التي نشرت كلها في جامعات ستكهولم من خلال مجلة Stockholmiensis Acta Universitatis

"نزهة الألباب في طبقات الأدباء ( (1963، "لُمَع الأدلة في أصول النحو ( 1963) "مجالس الحريري: دراسة نقدية مع مقدمة وملاحظات"( 1963) ."المقصور والممدود"(1966) و "لغة المسرح العربي "(9691).

وحالياً، يشغل كرسي اللغة العربية في ستكهولم باحثة شابة، هي الأستاذة كريستين إكسيل K. Eksell التي كتبت بحثها عن حالة الجر التحليلية في اللهجات العربية الحديثة. كما أنها كتبت عن تطور الدال بصفتها حرف جر)، بالإضافة إلى دراسات عن الوظائف الشعرية لحرف الجر في بعض الأشعار السامية السائدة في مناطـق الشمـال الغربـي. كمـا ترجمـت الأستـاذة إكسيل قصصـاً وروايـات عربيـة حديثة للغة السويدية مثل: زقاق المدق؛ وبـين القصـرين؛ وحكايـات وقصـص أخـرى للأديـب نجيـب محفـوظ الحائـز علـى جائزة نوبل، وقامت بمقارنة الأسلوب بين رواياته ميرامار ورباعية الاكسندار دو لورانس ديريل. وتعمل حالياً بالدراسات السامية المقارنة والعامة، وأنجزت للتو عملاً عن الشعر في العقيدة الماندية.

و بإمكان الطلبة، حالياً، في ستكهولم أن يختاروا لأطروحتهم أي موضوع أو مؤلف في الأدب العربي الحديث. فهناك مثلاً طالب في ستكهولم يدرس الأديب المصري يوسف السباعي، وآخر يكتب في موضوع السيرة الذاتية في الأدب العربي الحديث، وقد جمع أحدهم الشعر الشيعي تحت الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان. وها هي، على سبيل المثال الشابة مارينا ساتغه M. Satgh تقوم بإعداد أطروحة دكتوراه عن حرية التعبير والرقابة في الأدب المصري الحديث.

إن المحاضر العربي التونسي هادي كشريد لا يعمل فقط بالتدريس الأساسي، ولكن بالبحث العلمي أيضا. وهذا يعني أن الجامعات السويدية أصبحت تعين أكثر فأكثر محاضرين ومشرفين من جنسيات عربية، فالحقبة التي كانت فيها العربية تدرس بوصفها لغة ميتة، مع تمارين في القواعد وتحليلات للنصوص التقليدية حقبة ولت بلا رجعة.

لقد أصبح الاهتمام منصباً على التاريخ والثقافة والآداب الحديثة للعالم العربي، ولكن دون إغفال أهمية الدراسات التقليدية واللغوية المعمقة، فالمعرفة المعمقة للغة العربية التقليدية أمر لا بد منه لدراسة اللهجات العصرية دراسة مثمرة، إذ ستكون لدراسة الأدب العربي المعاصر دائماً أهمية أكبر من معرفة اللهجات المحكية الدارجة .

الإسلام والدراسات العربية

إذا كان الاتصال بين العالم العربي والإسلامي أصبح أمراً جوهرياً بالنسبة للمستعربين في وقتنا الحاضر، فلا يعني هذا الأمر بأنه من الممكن تصور أن الجيل القديم كان جاهلاً وغير مدرك لأهمية هذا الاتصال، على الرغم من اعترافنا بحقيقة أن جيل الباحثين مثل موبيرغ ونيبرغ كانوا قد تجولوا أقل من زملائهم الأوروبيين في القرن الثامن عشر. فقد عاش هؤلاء الباحثون حربين عالميتين مشؤومتين على كل مشروع إنساني، والسويد لم يكن لها تقريبا أي مستعمرة، وليس لها أي مصلحة استعمارية أو إمبريالية تدفعها إلى إرسال علمائها إلى بلاد بعيدة، إضافة إلى أن الالتزامات الجامعية وإمكانياتهما المالية منعتهم من الترحال في أغلب الأحيان.

وبسب عزلتهم جراء الحرب التي أخذ منها السويديون موقف الحياد؛ فإن العلماء والباحثين السويديين استداروا نحو الداخل للتعريف بالعالم العربي في السويد. لهذا، فإن هنريك.ص نيبرغ، على سبيل التذكير مرة أخرى، كتب كثيراً عن الدين الإسلامي وثقافته للعامة في السويد مثل مواضيع: الإسلام في العصور الوسطى؛ والإسلام في مصر؛ والإسلام والمسيحية؛ والإسلام واليهودية،.. وغيرها. ونستطيع أن ندرك حجم هذا الإنتاج بالنظر إلى كتاباته في التاريخ العام، وفي الدوريات، والأسبوعيات، والصحف، إضافة إلى المحاضرات التي ألقاها في المقاطعات المختلفة في السويد.

إن كل هذه النشاطات كانت تستهدف تعميم ونشر ثمرة أبحاثه عن العالم العربي والإسلامي التي توصل إليها بمفرده بوصفه عالماً. فبحث نيبرغ في السياسة العربية والسياسة النفطية والتطور الثقافي في العالم العربي، فكتب عن سعد زغلول، و ابن سعود، وعن شخوص آخرين من التاريخ الحديث. ويمكن أن نسمي هذا "بأسلوب التعميم" (أي جعل الأشياء في متناول الجميع)، فبدون هذا الجهد من جانب المستشرقين السويديين كان من الممكن أن يبقى السويديون الآن أكثر جهلاً بالعالم العربي، وغير مهيئين تماماً للتدخل المفيد (الذي لا يخلو من مشاكل) في الحياة اليومية للمهاجرين المسلمين في السويد خلال سنوات التسعينات من القرن الماضي.

والحقيقة، أن الاهتمام بالدراسات العلمية للأديان قد ألهم الأوروبيين تعلم اللغات القديمة. ولا يمكن، والحالة كذلك، معرفة الإسلام دون معرفة القرآن، فبدون اللغة العربية لا مكان لدراسة الإسلام. ولذا يعد جيو ويدنغرن G.Widengren أستاذ ظاهرة الأديان فينومنيولوجيا لغوياً بارزاً في معظم اللغات الشرقية. وكان ستيغ ويكاندرS. Wikander ، التلميذ الآخر البارز لنيبرغ لغوياً متميزاً استثنائياً. ويعد سفين هارتمان S. Hartman الباحث المتخصص في الدراسات المقارنة للأديان المعروف جدا في فرنسا(( 1917 /1988)) من بين العلماء الذين تخرجوا في"مدرسة" الأنسيين واللسانيين الذين أتقنوا لغات الأديان التي كانوا يدرسونها.

لقد تجلى تقليد الدراسات الإسلامية من خلال كرسي الدراسات الإسلامية في جامعة لاند، الذي يشغله حالياً جان هجارب J. Hjarpe المولود عام 1942 وأحد تلاميذه جيو ويدنغرن. كما أضافت حيوية الإسلام المتزايدة باعتباره ديناً عالمياً الكثير من الاهتمام الخاص بالدراسات العربية في السويد، كما كان الحال في حقبة اندرا ونيبرغ.

وما يجب قوله، هنا، أن كل باحثي الإسلام هم مستعربون، حتى لو كان صحيحا أنه ليس كل باحثي اللغة العربية باحثين بالإسلام، وهذا ما يعكسه شعار المؤتمر السادس الدولي للدراسات العربية والإسلامية في فيزبي في ستكهولم عام 1972 "اللغة العربية لغة عالمية، والإسلام دين وثقافة عالمية يرتبط أحدهما بالآخر". ويمكن اعتبار هذا الشعار رداً على تعجب دارس اللغات السامية الشاب نيبرغ عندما قال عام 1913 "نريد دراسات إسلامية وعربية معاصرة".

من جانبهما، لم تفقد اللغة العبرية واللغة الآرامية دلالتهما الكبيرة إطلاقا في الجامعات السويدية التي تفتخر بوجود لغويين وفقهاء لغة كبار فيها في العبرية والآرامية، وعلماء في الأديان التوراتية. وقد حافظت اللغة الأكادية واللغة الآشورية على أهميتهما العالية، وأثبت نيبرغ ذلك.

وأود أن ألفت الانتباه إلى أن عملية فصل الدراسات العربية عن بقية الدراسات الاستشراقية والسامية كانت في الحقيقة خطأ؛ ففي معظم هذه اللغات هناك أهمية ثقافية موزعة بين اللغة العربية والدراسات السامية الأخرى والعبرية والآرامية بخاصة. ومع ذلك، فإن اللغة العبرية لم تعد بعد الحرب العالمية الثانية إجبارية في إعداد القساوسة للكنيسة في السويد، في حين أخذت اللغة العربية المكانة الأولى في الدراسات الشرقية في السويد، متبوعة باللغة الأكادية والآشورية التي تمثل مواضيع بحثية ما زالت على درجة من الأهمية.

أعيد وأكرر، هنا، بأن المستشرقين السويديين الذي يشكلون جزءًا من العالم البحثي الأوروبي، ويشاركون في قيمه وأحكامه المسبقة لم ينجروا وراء الإغراءت الإيديولوجية للإمبريالية التي اتهمهم بها إدوارد سعيد في كتابه "الاستشراق" ولو من غير قصد.

والسؤال الذي يطرح هنا:هل مازال المستشرقون مستشرقين حقاً؟

أظن أن الإجابة لا. فالمستشرقون، اليوم، ليسوا فقهاء لغة بشكل كامل وليسوا لغويين تماماً، فهم يعملون بالأحرى بوصفهم متخصصي مناطق مع كثير من المهمات الإدارية الكثيرة للأسف الشديد، وهي آفة الجامعات الحديثة. لذا أصبح المستشرق والاستشراق لفظين باليين . Caducs

أخيراً، لا بدمن الإشارة إلى أن هناك سويديين ك.يو. نيلاندر K.U. Nylander و ك. و زيترستنK.Zettersteen كانا قد كتبا مقالات حول الدراسات السامية في السويد عامي 1889/1929 ، أما ف. راندغرين، فقد لخص في الكتاب السنوي لجامعة أوبسال الدراسات السامية في جامعته.

لقد استقلت الدراسات العربية بذاتها وتطورت وأصبحت دراسات عقلانية ومفيدة ومفضلة لدى عدد كبير من الطلبة والباحثين. ولكن ماذا ربحنا؟ وماذا خسرنا؟ هذا ما سيظهره المستقبل.

وبهذا الشكل المتطور، حصلت الدراسات العربية السويدية على موقع مكين وثابت في عالم البحوث الدولية. ومع ذلك، فمن المستغرب أن نلاحظ أنه من النادر الإشارة إلى الدراسات العربية في السويد في المقالات التي تدور حول مواضيع متعلقة بالاستشراق وبالدراسات العربية في أوروبا. فالألماني جوهانيس فوك J. Fuck أصدر عام 1955 كتاباً عن تاريخ الدراسات العربية في أوروبا دون أن يذكر أي كلمة عن الدول الإسكندنافية في حين أن التعاون والاعتماد المتبادل بين العلماء في مختلف بلاد أوروبا فيما يتعلق بالدراسات اللغوية والاستشراق أمر بديهي وواضح.

إن للغات الشرقية في الجامعات السويدية، كما حاولنا الإشارة إليها سابقا، تاريخاً طويلاً وجديراً بالاحترام، دون أن تكون يوما جزءًا من مشروع استعماري أو ما بعد الاستعمار، وهي تعد نفسها لفتح فصل جديد متجه نحو مستقبل قد يجد فيه التعاون بين العالم العربي والعالم الأوروبي على المستوى الثقافي الزخم والقوة نفسيهما اللذين عرفتهما هذه العلاقة إبان الأيام العظيمة الزاهية في قرطبة وإشبيلية.

المصادر

- Axel Moberg," Zum hundertj?hrigen Geburtstag C. J. Tornbergs", Le Monde Oriental II, 1907-08.

- Frithiof Rundgren," Semitic Languages ", Linguistics and Philology, faculty of arts at Uppsala University,Uppsala,1976.

- _______________, " Bernhard Lewin", Kungl, Vitterhets Historie och Antikvitets Akademiens ?rsbok,1979.

- _______________,"Arabic studies at Uppsala", Dans Araby, Nordic Studies on the Arab & Islamic World, 1. Oslo, 1986.

- Geo Widengren, " Sven Dedering", Kungl, Vitterhets Historie och Antikvitets Akademiens ?rsbok.

- G?sta Vitestam, " De semitiska sprŒken i en f?r?nderlig v?rld-och lund under tre Œrhundraden", Ur M?nniska och materia: Lundaforskare f?rel?ser, Lund,1971.

- H.S. Nyberg," Mathias Norberg", Harry Karlsson 1 : 63-82, Lund,1973.

- K.U Nylander, " Semitiska studier i Sverige under flydda tider", Nysvensk tidskrift,1889.

- K.V. Zetterst?en, " Semitiska studier i Sverige under de sista femtio Œren", Svenska Orients?llskapets ?rsbok II, Centraltryckeriet, Stockholm, 1924.

- Le Monde Oriental, Almqvist & Wiksell Boktryckeri, Uppsala, 1905-1945.

- Ros?n- Gierow Weibull," Lunds universitets historia I -III", utgiven av universitetet till dess 300- Œrsjubileum, Lund, 1988.

- Sigrid Kahle, " H.S.Nyberg : En vetenskapsmans biografi", Svenska Akademiens Minnesteckningar, Norstedts f?rlag,Stockholm,1991.

* باحث أردني

*ترجمة : د. جمال الشلبي

*** كاتبة ومحاضرة في جامعة اوبسال، وكانت قد عاشت في عدد من البلاد العربية والإسلامية . ( تعد السيدة سيغرد كاليه من ابرز المستشرقين السويديين الذين يدافعون عن الإسلام والعرب في بلدها السويد عبر وسائل الإعلام المختلفة : الراديو، والتلفاز، والصحافة، والندوات، والمؤتمرات وغيرها: المترجم)