Tuesday 16th of April 2024
 

عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 

مواقع التواصل الاجتماعي

 
 
  • التاريخ
    31-Oct-2007

كاتب مصري ينتحل موسوعة (تراث الإنسانية)

الرأي -

- قبل عدة شهور وقع بين يديّ كتاب عنوانه (كُتب غيّرت الفكر الإنساني) الجزء الخامس لمؤلفه أحمد محمد الشنواني، صادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، وكما هو واضح فهو جزء من سلسلة. وحسب المقدمة التي تتصدر الكتاب فإن المادة التي تتضمنها هذه الأجزاء -كما يقول المؤلف- (هي خلاصات لقراءات قضيتها بين الكتب وهي ليست كُتبًا عربية حسب، بل كُتبٌ غربية أيضًا) لاحظوا غربية وليس أجنبية!!

وعند تصفّح محتويات الكتاب نجد أن الكُتب التي تم تلخيصها وتقديمها للقارئ هي بالفعل من عيون التراث الإنساني مثل الشاهنامة للفردوسي، وديوان المتنبي، ومسرحية الضفادع لأرستوفانيس وغيرها من الكتب. ولذلك تبادر إلى ذهني على الفور موسوعة تراث الإنسانية التي كانت تصدرها وزارة الثقافة والإرشاد القومي في مصر في ذلك الزمن الجميل في الستينيات على شكل مجلة شهرية تضم قراءات لأعظم الكتب التي أنتجها العقل البشري وشكّلت تراث الإنسانية في مختلف الحضارات وفي الأزمان المختلفة، والتي جُمعت أجزاؤها كلها بعد توقفها عام 1971 في تسعة أجزاء مكونة من سبعة مجلدات.

ودون عناء يُذكر قمت بمقابلة المواد التي نشرها المؤلف المزعوم في كتابه مع مجلدات تراث الإنسانية لأجد أنه نقل المادة الأصلية من هذه المجلدات بعد أن حذف فقرة من هنا وسطورًا من هناك، ووضع لبعض المواد مقدمة من بضعة سطور، وجمع مادة كتابه من مجلدات مختلفة.

فداحة هذه السرقة المكشوفة -التي لم أسمع بسرقة من حجمها- تتضح إذا ما علمنا أن الكتب التي يدعي المؤلف أنه قرأها وكتب عنها يتكوّن بعضها من أكثر من عشرة مجلدات، وبعضها مراجع تحتاج قراءتها إلى شهور عديدة، إضافة إلى تنوع الموضوعات تنوعًا شديدًا من الفلسفة إلى الأدب إلى الأساطير والعلوم الطبيعية والتاريخ والموسوعات والتراجم والسير والأديان مما يستحيل معه أن يستطيع إنسان واحد مهما بلغ من العبقرية ومهما امتلك من الوقت أن يقرأها، فكيف استطاع الشنواني لا أن يقرأ كل هذا التراث الهائل بل أن يُلخّصه ويكتب عنه!!! لقد كانت موسوعة تراث الإنسانية من أعظم الإنجازات التي حققتها وزارة الثقافة المصرية في عهد وزيرها عبد القادر حاتم، وشارك في كتابة موضوعاتها عشرات من ألمع كُتّاب مصر ومفكريها.

وكان التعريف بتراث الإنسانية على غلافها على النحو التالي: (سلسلة تتناول بالتعريف والبحث والتحليل روائع الكتب التي أثرّت في الحضارة الإنسانية بأقلام الصفوة الممتازة من الأدباء والكتّاب والعلماء).

هذه السلسلة العظيمة وجهود هذه الصفوة الممتازة هي التي سطا عليها أحمد الشنواني في وضح النهار ونسبها إلى نفسه وعبقريته المزعومة، مع أن السلسلة الأصلية كان يشرف عليها مفكرون من وزن د. فؤاد زكريا، و د. أحمد أبو زيد، ود. أحمد رياض تركي، ود. عبد الحليم منتصر، و د. زكي نجيب محمود، ود. علي أدهم، وإبراهيم زكي خورشيد، وإبراهيم الإبياري، وعباس محمود العقاد. أما موادها فقد كان يكتبها بالإضافة إلى الأسماء السابقة، مفكرون وكتاب أمثال د. حسن حنفي، ود. نبيلة ابراهيم، ورمسيس عوض، وإمام عبد الفتاح إمام، وعبد الغفار مكاوي، وعلي حافظ، ومحمد السيد غلاب، ومحمود مكي، وعثمان أمين، وابراهيم سكر، وأبو الوفا التفتازاني، وصوفي عبد الله، وعبد العزيز الأهواني، ونظمي لوقا، ومحمد رشاد الطوبي، وغيرهم من كبار الأكاديميين المصريين والباحثين المتخصصين في مختلف مجالات المعرفة الإنسانية.

في الكتاب المنتحل المذكور مثلاً: فإن مادة ديوان المتنبي هي في الأصل لعباس محمود العقاد، وهي أول مادة تم نشرها في سلسلة تراث الإنسانية ، أما مادة الشاهنامة للفردوسي فقد كتبها أصلاً د. يحيى الخشاب، ومادة مسرحية الضفادع لأرستوفانيس كتبها د. محمد صقر خفاجة أستاذ الدراسات اليونانية في جامعة القاهرة، وهكذا في باقي مواد الكتاب المنتحل باسم أحمد الشنواني!!

وعلى الرغم من أنني لم أطّلع على باقي أجزاء السلسلة التي يزعم الشنواني تأليفها، فإن (المكتوب يُقرأ من عنوانه) فهو بكل بساطة سطا على موسوعة كاملة، ونسب لنفسه جهود عشرات العلماء و المفكرين في مصر -ومعظمهم باتوا في ذمة الله- دون أن يرفَّ له جفن، ودون أن ينتبه أحد في مصر، بل في الهيئة المصرية للكتاب التي سبق لها ونشرت تراث الإنسانية لهذه السرقة المروعة. إن موسوعة تراث الإنسانية ما تزال في الذاكرة، والذين عاصروها مازالوا أحياء -على الأغلب - فقد صدر آخر أعدادها في المجلد التاسع عام 1971 أي قبل 36 عامًا. فهل من الصعب اكتشاف سرقة بهذا الحجم من مصدر عمره حوالي أربعين عامًا !!

لاسيما أن هذا المصدر ليس كتابًا يمكن أن يضيع بين آلاف العناوين، بل هو موسوعة رفيعة المستوى ظلت تصدر على مدى يقرب من عشر سنوات! إن ما قام به أحمد الشنواني ليس سرقة وانتحالاً فقط، بل هو تشويه لجهود الآخرين، وتدليس على الأجيال الجديدة. فمادة كتابه المنتحل مليئة بالأخطاء النحوية والطباعية، وخالية من علامات الترقيم، مما يدل على أن أحدًا لم يقم بتدقيقها أو مراجعتها، وهذا لا يحدث لو كان الشنواني هو حقًا صاحب المادة وعانى في كتابتها!!

كما أن ما فعله الشنواني يشير من جانب آخر إلى أن أحدًا لم يعد يقرأ في هذا الوطن العربي، أو أن الأعمال الجادة والرصينة ذات المستوى والمحتوى المحترم لم تعد تجد من يقرأها. ويشير أيضًا إلى أن ذاكرة معظم المثقفين ومسؤولي الثقافة معطوبة ومثقوبة بحيث تمر سرقة موسوعة كاملة من تسعة مجلدات دون أن يلتفت لها أحد، والأدهى أن يعيد الشنواني نشر سلسلته المنتحلة في الهيئة ذاتها التي سطا على واحد من أهم منجزاتها، دون أن ينتبه أحد فيها لهذه الفضيحة. هذه السرقة الطويلة العريضة لا ندري كيف مرّت على هيئة عريقة من أهم هيئات نشر الكتب في العالم العربي! وكيف لنا بعد الآن أن نثق بالكُتّاب والباحثين الذين يغرقون الأسواق بمؤلفاتهم! كيف لنا أن نكتشف السارقين المنتحلين في هذا الزمن الذي لا يحترم الفكر ولا الثقافة. والذي غابت فيه المعايير، فادعى الثقافة والمعرفة فيه كل بهلوان شاطر!!

Azmikhmis64@homail.com