Sunday 11th of May 2025
 

عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 

مواقع التواصل الاجتماعي

 
 
  • التاريخ
    05-Oct-2006

«عروس المطر» للكويتية بثينة العيسى: القبح والعنوسة

دار الحياة -

حتى منتصفها تبدو رواية بثينة العيسى الكاتبة الكويتية، وكأنها تدور في فلكها وحول ذاتها، بدون حبكة واضحة. تماماً كما تدور البطلة أسماء، حول معاناتها والحياة الضيقة التي تعيشها والتي تبدو أضيق من فسحة الأمل. أسماء هي «عروس المطر» كما هو عنوان الرواية وهي فتاة ستحكي معاناة العنوسة والقبح والإحساس باللاقيمة، أمام ذلك المثلث المركب من الجميل/ والجيد/ والصحيح، كما قال الفلاسفة قديماً وحديثاً واعتبروها قيماً مثلى وعليا هي الأسمى. أسماء لن يكون لها من السمو شيئاً وستحس بالضآلة كلما مرت أجساد الفتيات على القنوات التلفزيونية، التي تحسها تمارس «إرهاباً جسدياً» عليها، لعدم تمكنها من مواكبة هكذا أجساد. تتلاحق احساسات أسماء تجاه الجمال وما ينتج منه في مجتمعات ترفعه الى أعلى المصافات، لتنتظم الرواية في الثلثين الأخيرين منها، محاولة إبراز علاقة أسماء بالوجود كله، من خلال قبحها.

وعدم تمكنها من احتماله. تبدو الرواية (صدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت،٢٠٠٦) وكأنها قطع بازل، لن يفقه لها القارئ معنى في البداية، حتى تتراكب فصولاً ومشاهد، ليصبح موضوعها اكثر اقناعاً. في بعض فصول الرواية الأولى، بدا وكأن المؤلفة، تحاول تمرير انطباعات وأفكار جميلة في سياق من السرد، لا نفهم الى أين يأخذنا، حتى تتوصل شيئاً فشيئاً الى دفع حركة القص باتجاه واحد، تتلاقى عنده، المشاهد المتفرقة الأولى.

كان يمكن برأينا تكثيف المقاطع الجيدة، بتخفيف بعض الحوارات الطويلة التي قللت من وقع السرد، وهذا كان سيترك أثراً اكبر لموضوع لا تخرج عن تأثيره أي امرأة، ويطاول حتى الرجال.

لعبت الكاتبة على ثلاثة أمور: محور القبح - العنوسة، محور الحاجة الى الحب والعناية ومحور متطلبات العصر ذي الوصفات الجاهزة لكل شيء. للحب، للجمال، للذكاء، للسعادة. كل هذا يزيد من زيف الإنسان والأشياء، في نظر البطلة، كل هذا كان يشعرها بمزيد من الضآلة، حتى لتتمنى العدمية وتروح تحلم بغياب «سري وشيق ومثير للتساؤل والفضول» كأن تكتب عن معلمتها المفضلة كتاباً يجعلها «الغائب» المهم الذي قدم امرأة مهمة بنظرها ولكن لشدة حضورها هي في النص، أي أسماء، كانت ستبدو هي الضوء الذي يضيء من خلف ويجذب الانتباه الى المعلمة... بفضلها!

أسماء فريسة حرمان كبير، يزيده هذا العصر ومتطلباته رسوخاً وإيلاماً.

أفلتت منا التسميات التي اختارتها المؤلفة لفصولها وهي عناصر الطبيعة من هواء وتراب وماء ولم نستطع تفسيرها من خلال مغزى الرواية. بعض تعابيرها في نقل علاقة أسماء بقبحها، تبدو كالصفعة، جارحة وحقيقية وسوداوية، تتركك معنياً بتلك المعاناة. كاعتبار أسماء ان الزمن يتوقف عند ابتسامة «ابلة حصة» الجميلة، ولكنه يشيح بوجهه أمام ابتسامتها. «ابلة حصة» هي نموذج الجميلة التي تبدو حرة، غير آبهة بالزواج أو ساعية الى الرجل، رسمت لنفسها إطاراً محدداً وهيولى متقنة، ســــتنزعهما عنها التلميذة شيئاً فشيئاً، لتكتشف امرأة بحالة انتظار وكل ما تفعله من اجل رجل يفترض أن يأتي. تلك الحرية - الوهم التي أرادت ان تتماهى بها التلميذة لتتعزى من واقعها، تبين انها غير قائمة وسقط الركن الأخــــير من بناء يتداعى وتحاول الإمساك به.

كل ظروف حياة أسماء تدفعها الى النهاية التي وصلت اليها. وهذه كانت تعطي بعداً مضاعفاً للمعاناة، لغياب حنان الأم والأب. ولكن دلالات الرواية، التي تصلح برأينا مسرحية أو حلقة تلفزيونية بأداء متقن، ما كانت ستتغير بالنسبة الى علاقة المرأة بالجمال، أو الزواج والإحساس بالنقص بدونهما، حتى في مجتمعات معاصرة، تدعي تجاوزهما. بثينة العيسى تحاول أن تبرز واقع المرأة وهي تندفع الى الزواج، أي زواج، كما المرأة التي تبدو عازفة عنه وهي متعلقة برجل لم تره إلا لماماً وينهي تحصيله العلمي خارجاً، كحالة «ابلة حصة»، لتقول ان الظروف بين واقع نساء أبيها غير المتعلمات وواقع المرأة المتعلمة، لم تتغير كثيراً وان ادعت هذه الأخيرة انها مختلفة.

رواية هي بداية ومحاولة جادة، وكان ينقصها شيء من ضبط الإيقاع لتصل الى المستوى المنشود. ومع هذا فإن تعابير مثل وصف الوجه القبيح المتبرج بأنه «لطخة من الرعب» أو اعتبار أننا نسقط عدواننا على الأشياء عندما نصفها بأفضل أو أسوأ أو اجمل أو اقبح، لا يمكن ان تمر من دون ان تلحظها. «الأشياء تبقى سعيدة، ما لم نخرجها من هيولى الحياد، ونقذف بها في جحيم الانحياز» تماماً كما حصل للبطلة التي صُنِّفَت في خانة القبح، وعرفت بأن أحداً «لن يأخذها» فتحول هذا الى «رعبها الأليف الذي تحتسي معه فنجان الشاي كل صباح».