Wednesday 24th of April 2024
 

عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 

مواقع التواصل الاجتماعي

 
 
  • التاريخ
    11-Jul-2008

صقيع محمد سناجلة.. محكي ذاتي- ترابطي

الرأي -

- يعد نص صقيع التجربة الأدبية الرقمية الثانية للمبدع محمد سناجلة. وهي تجربة تأتي بعد الرواية الترابطية شات، بمتغيرات بنائية وسردية وتقني_ رقمية، مست على الخصوص البعد التجنيسي لنص صقيع.

عن سؤال تجنيس صقيع:

إذا كانت شات تتضمن عينة من العلامات والمؤشرات التكوينية، والتي تدرجها بشكل صريح وملموس ضمن منطق الجنس الروائي، فإن صقيع تأتي ومعها خرق للميثاق الروائي المألوف والمتعاقد عليه ضمن تجربة التراكم الروائي من جهة، وحسب التنظير الروائي من جهة ثانية. وهذا هو الشئ الذي ساعد القراء- إلى حد ما- على تقبل شات(*)، على الرغم من كونها تأتي شكلا وبناء غير معهود في التلقي، وفي ثقافة القراءة والكتابة المعهودتين.

ولكنها تتضمن حكاية واضحة، وحبكة تتطور مع تطور أحداث لعبة الصدفة، إلى جانب حضور شخصيات تدخل في مستويات علائقية مع بعضها تجعل الحدث ينمو بالشكل الذي تربت عليه الذائقة والتلقي. حتى وإن جاءت الروابط باعتبارها تقنية وإجراءات نصية غير مألوفة، غير أن المناخ العام ساعد_ إلى حد ما_ على خلق مستوى من التواصل مع النص باعتباره رواية. لكن، صقيع تأتي مثل الحلم الذي ينفلت منه الحدث مع زمن الصحو.

تطرح صقيع مسألة التجنيس في مستويين: أحدهما رقمي يؤشر على مبدأ التحول الذي يعرفه النص التخييلي مع اعتماد لحظة إبداعية مغايرة للمألوف. ومستوى سردي_ نقدي يعد استمرارا للنقاش السائد راهنا، حول النصوص المطبوعة ورقيا والتي تطرح بقوة تحولات بناء الجنس الروائي.

المستوى التجنيسي الرقمي

وردت صقيع تحت تجنيسات رقمية عديدة، وذلك تبعا لما ارتآه لها مؤلفها/مخرجها (محمد سناجلة) من عينة من المؤشرات التي تحدد ليس فقط طبيعة التجربة النصية، وإنما أيضا شكل القراءة والتلقي. إنها كتابة وتأليف وتنفيذ وإخراج وتجربة وتحريك ومساعدة ذات واقعية أخرى في عملية الإخراج. وهي تجربة جديدة تدخل في أدب الواقعية الرقمية(*).

عندما نتأمل كل هذه التعيينات التي جنست لنص صقيع، نلاحظ أولا غياب تجنيسها بالرواية، أو القصة القصيرة، أو النص. ولعله وعي نقدي يرافق عملية الكتابة من طرف مؤلفها محمد سناجلة. كأنه يقترح على القارئ فكرة التفاعل مع التجربة وتجنيسها. لأن انفتاح التجربة على تعددية التأشيرات الأجناسية هو من صميم نوعية التجربة التي إما أنها تعد تجربة أولى من نوعها، أو أنها تجربة لا تخرج عن نظام الكتابة السائدة، غير أنها تدشن خرقها لميثاق القراءة السائد. تشكل هده التعددية في التعيينات إضافة على ما جاء في نص شات التي وردت تحت جنس الرواية.

ولعل الجديد في هذه التجربة هو دخول تعبير التأليف الذي يعد تعبيرا أساسيا في الأدب الرقمي، إلى حد أن الحديث عن منتج النص الرقمي انتقل من الكاتبEcrivain والروائي كما في النص المطبوع إلى المؤلفAuteur غير أن معنى المؤلف هنا لا يعني ما تعنيه كلمة مؤلف في تجربة النص المطبوع في حال الرواية، والتي تعني الذات المادية والواقعية، والتي يمكن التعرف عليها بالرجوع إلى الوثائق التاريخية والسيرة الذاتيةC V . ولكن المؤلف هنا يحدد الذات التي تؤلف بين مجموعة من العناصر (لغة، برمجة معلوماتية، روابط، وثائق، ملفات، وسائط سمعية بصرية....) لكي تنتج حالة نصية تنتمي إلى الأدب الرقمي، إنها ذات تعيش بين ملتقى الواقعي_ المادي والإبداعي_ النصي. لا يقف تحديد المؤلف هنا في الحالة الأدبية الرقمية، وإنما من الممكن أن تضاف ذات أخرى تدخل بتجربتها التقنية والمعلوماتية إلى جانب المؤلف. وهي الذات التي تحضر في صقيع في شخص مساعد المخرج/المؤلف (عمر الشاويش).

وينتج عن حضور ذات أخرى مساعدة للمؤلف في عملية الإخراج أو الجانب التقني_ المعلوماتي أفعال جديدة، تصبح من مكونات النص الرقمي، مثلا فعل تنفيذ في صقيع. وهو فعل يتضمن أفعالا أخرى لذوات من المفروض أنها وضعت تصميما وتصورا وجاء المؤلف لكي ينفذ كل تلك التصورات. لا يتوقف الأمر عند هدا المستوى من الذوات المنتجة للنص الرقمي، ولكن مع نهاية النص نلتقي بصيغ غير مألوفة في صناعة النص الأدبي، وهو الانفتاح على اقتراحات ذوات أخرى تدعوها التجربة الجديدة في كتابة النص الأدبي إلى التفاعل مع النص، وإعادة إنتاجه مرة أخرى. يضع محمد سناجلة في نهاية صقيع ثلاثة صيغ (روابط).

يدفع من خلالها القارئ إلى التفاعل مع صقيع على مستوى إبداء الرأي، والتعديل في النص، ثم اقتراح نهايات للنص. ولكي يحقق للنص تفاعليته المنتظرة، فإنه يضع أمام القارئ صفحات_ رسائل ضمنها المؤلف معلومات حول اسم وإميل المرسل_ المتفاعل وبلده، ثم نوعية التفاعل. يشكل هدا التوجه التفاعلي نحو القارئ مكونا أساسيا ليس فقط من منظور قراءة النص، وإنما أيضا من منظور منتج النص. الشئ الذي يدفع بالتأمل في النص الرقمي ليس فقط كوضع تخييلي رقمي منته بنائيا من طرف المؤلف، ولكنه نص يعيش باستمرار حالة التكون والتشكل مع تنشيط تفاعل القارئ، وهي حالة لن تعش الثبات نظرا لكون التفاعل يعيش بدوره حالة من التغير على صعيد القراء، بل القارئ الواحد .

بناء على كل هده التوصيفات التعيينية للذوات المؤلفة لنص صقيع ، نقترب من مساحة أدبية النص الرقمي، ومن الذي ينتج النص، ويبدعه ويخلق بلاغته وأدبيته وجماليته. ولعله سؤال أدبي ونقدي يرافق باستمرار حالات تحول العملية النصية الأدبية. والنص الرقمي بوضعيته الراهنة، فإنه يقترح مقاربة جديدة لهذا السؤال انطلاقا من الوسائط التكنولوجية الجديدة التي أصبحت مكونا أدبيا. هل معنى هذا أن النص الأدبي الرقمي تنتجه ذوات متعددة؟. هل النص الأدبي الرقمي لا يعرف وضعا مستقرا من حيث بنيته؟.

هل القراءة تصبح في مستوى التفاعل إنتاجا للنص وليس فقط قراءة له؟.

تلك مجموعة من الأسئلة التي باقتراحها على التأمل النقدي والأدبي، فإننا نقترب شيئا فشيئا من هذا الأدب الجديد الذي ينمو في فضاء التكنولوجيا، ومعه ينمو وعي جديد. وعينا، وعيك،ووعي القراءة عامة.

استمرار لنقاش تجنيسي

تشكل صقيع استمرارا لنقاش نصي تجنيسي، بدأ يطرح بجدية على وضعية منطق الجنس الروائي، وتحولاته المتعددة والمختلفة والتي بدأت تؤسس لطروحات تنظيرية جديدة، وعلاقته بالنصوص المطبوعة ورقيا والتي تخرج من جبته، ولكنها تدشن لمسار مختلف يبني اختلافه بدء من تجنيسه.

وهو نقاش تشهده النصوص السردية التي يتفاعل فيها السيري بالمحكي الذاتي بالروائي بالتخييل الذاتي. إنه مشهد نصي بدأ يلفت النظر خاصة في التجربة المغربية، من خلال تجنيس بعض الروائيين لنصوصهم بالمحكي والمحكيات والتخييل الذاتي والسيرة الروائية. وكما يلاحظ في هذه التعبيرات التي تحوم حول الرواية دون أن تصرح بها، أنها تعبيرات تسعى لإدراك وضعية النص المحكي السردي والذي يعرف تحولات بنائية تجعل من الذات حاكية ومحكية.

لا تخرج صقيع عن هذا النقاش النصي- النقدي، نظرا لكونها تمشي في نفس التوليفة والتي نرى أن تجنيسها تحت المحكي الذاتي الترابطيHyper auto récit هو الأقرب إلى تحديد جنسها الذي لا يخرج عن المنطق الروائي، إنما يعد شكلا من أشكاله التي عبرها يشخص المنطق الروائي تحولاته وتطور بنيته، والتي تؤكد شرعية طرح الناقد الروسي ميخائيل باختين حين تنبأ عبر نصوص دوسويفسكي أن الرواية ستظل أكثر الأشكال التعبيرية انفتاحا على المحتمل والممكن وعلى اللغات والأصوات والأساليب والأوعية والأبنية.

ولعل وضعية صقيع والتي تجعلها داخل النقاش الراهن في الدرس الروائي حول حدود التخييلي في النصوص التي تجعل من الذات حاكية ومحكية، والتي تحدث هذا اللبس بين الذات الساردة- المسرودة وبين الذات الواقعية للمؤلف- الكاتب، لعلها وضعية تؤكد ما سبق وتحدثنا عنه في الفصل الأول من اعتبار الأدب الرقمي هو استمرار وليس قطيعة، ويندرج ضمن نظرية الأدب ولا يخلق نشازا أو شيئا غريبا لا ينتمي إلى النظرية الأدبية التي ترافق تحولات النص الأدبي.

تحكي صقيع حكاية رجل أدخله هذيان ليلي في صراع ذاتي، تحالفت معه الطبيعة والجو الذي انقلب إلى رعد ومطر. يعيش الرجل زمنا من التيه بين ما يعيشه في واقع بيته ومع زوجته، وبين دهشة الأحداث التي تفاجئه وهو يكتشف نفسه ثملا، وكل ما يحيط به من جدران وغرف تترنح .يبقى وحده يعيش هذيانه إلى أن يطلع الصباح وتفتح زوجته النافدة فيعود إليه الصحو، وفي نفسه شئ من دهشة الهذيان.

خطاب تخييلي ترابطي

نقصد بالخطاب التخييلي الترابطي، الطريقة التي يتم بها تأليف هذه القصة ترابطيا، والتي أنتجت محكيا ذاتيا ترابطيا يعد تجربة عربية في الإنتاج الرقمي الأدبي. تتشخص قصة صقيع عبر مجموعة من المكونات اللغوية - السردية والرقمية، تحضر من جهة اللغة السردية عنصرا مهما في عملية التشخيص، وهي لغة تعتمد على:

1- المؤثرات الصوتية والبصرية: تشتغل المؤثرات الصوتية والبصرية عتبة أساسية في الافتتاح النصي لصقيع إذ، بمجرد انتهاء تحميل النص ينطلق صوت الرياح وسقوط الثلج وعواء الذئب، مع حضور مشهد الصورة التي تجسد نزول الثلج والمطر وتعطي الإحساس بالرياح والشعور بالبرد. ثم مشهد تجسيدي تمثيلي لهيئة رجل يجلس على الكنبة داخل البيت ومن ورائه نوافذ مغلقة وصوت الرياح وعويل الذئاب ونتف الثلج تقرع زجاج النوافذ تحدث ضجيجا لدى الرجل. ولعله وضع حكائي مشهدي بالصورة والصوت يعد متغيرا مهما في مفهوم السرد الذي ارتبط في النص المطبوع ورقيا باللغة المعجمية التي تبدأ في التشخيص الحكائي مع بداية النص.

وبهذا، يصبح ما كان عتبة في النص الورقي بداية للسرد والنص وتشخيص القصة. فالسرد اللغوي المعروف والذي يقوم بإيصال المشهد لغويا وسرديا وعن طريق الوصف وترك القارئ يتخيل الصورة كما يصل إليها وحسب قدرته على التخييل، وأيضا يجعل القارئ يتخيل أصوات الطبيعة والحيوانات حسب ما تحتفظ به ذاكرته من ثقافة الأصوات بمساعدة الوصف والسرد، هنا في صقيع ، تسبق الصورة المشهدية اللغة السردية والوصفية التي تأتي كبعد سردي لاحق للصورة والصوت من أجل حكي ما تم حكيه سابقا، يخفت زمن السرد المألوف هنا،

ويتحول موقعه من الموقع الجوهري الأساسي إلى موقع لاحق، قد يضيف ويعمل على امتداد الحكاية دون أن يعدل أو يشطب على ما حكته الصورة والصوت. يتم تشخيص المؤثرات الصوتية والبصرية سرديا عبر تقنية رقمية تعد إلى جانب تقنية النص الترابطي مكونا جوهريا في الأدب الرقمي، وهو ما يصطلح عليه ب Hyper-mediaوالذي ترجمته في العربية بالوسيط الترابطي الذي تدخل فيه الصورة والمؤثرات الصوتية ومختلف الوسائط. وهي تقنية تصبح لها وظيفة سردية أساسية على اعتبار أن محكي صقيع لا يتحرك سرديا ونصيا إلا مع تنشيط مكون الوسيط- الترابطي.

يحضر الوسيط الترابطي بداية على شكل عتبة الافتتاح السردي والتي قد تبدو في البداية مجرد عتبة مثل العتبات التي نستضيفها في النصوص المطبوعة، والتي تشكل خطابات أو إرساليات تقدم معلومات أو علامات ولكنها تقف عند عتبة الكتابة، ولكن بعد ما يبدأ النص في التشكل أمامنا نكتشف أن التقنية تؤدي وظيفة سردية. بعد ذلك يتضح أن هذه التقنية تصبح هي الفاعل سرديا وحكائيا، وبسقوطها ينعدم النص بالشكل الذي هو عليه عبر الروابط التي وصلت في مجموعها إلى عشرة روابط يميزها عن لغة السرد العادية اللون الأزرق الذي بالنقر عليه ينفتح النص على مشاهد تمثيلية حركية للسارد داخل بيته وغرفته. وما يعطي للوسيط الترابطي السبق السردي هو هيمنته على الروابط .

إذ تم توظيف ثمانية روابط للوسيط الترابطي، ورابطين للغة المعجمية للشعر والأغنية. تتمظهر مكونات الوسيط الترابطي باستثناء الافتتاح النصي عبر تنشيط الروابط الثمانية (قمت أجر نفسي، الجدار يترنح تحتي، فجأة انضم السقف، وصلت إلى الفراش، انضمت أسرة كثيرة، امتدت يد في الظلام، فتحت عيني بصعوبة، يا الله عفوك).

يتضح من طبيعة روابط نصوص الوسيط_ الترابطي أنها تأتي عبارة عن جمل فعلية حركية تشخيصية للحركة والفعل. وعند النقر على هذه الجمل ندخل عالم الصورة والصوت، والتمثيل، والسينما حيث العين تتحرك مع تحرك الشخصية والمكان والأثاث في بيت/غرفة السارد. وحيث زاوية الرؤية لم تعد فقط ترتبط بموقع من يرى وبالمنظور كيف يرى، ولكن، يضاف إلى ذلك عين ضمنية للكاميرا أو مخرج مسرحي يوجد في مكان ما. إذ، نلتقي مع تقنيات الزوم( ) وغيرها من التقنيات السينمائية التي تجعل من الصورة عالما ضوئيا وبصريا وحركيا.

تحضر نصوص الوسيط_ الترابطي باعتبارها المكون السردي التشخيصي الجوهري لنص صقيع، ويتمثل ذلك في كون السرد باللغة الحكائية المعجمية يأتي دائما بعد تنشيط الوسيط الترابطي، وبعد أن يكون المشهد التشخيصي_ التمثيلي قد قدم الحدث.

ويأتي السرد ليحكي ما عبر عنه الوسيط_ الترابطي أي فعل لاحق للصورة والصوت. مما يجعلنا نلمس شكلا من التداخل بين نوعين من السرد، أحدهما رقمي ترابطي، وثاني لغوي معجمي وعبر هدا التداخل يتحقق نص صقيع. تقدم المقاطع التشخيصية بالصورة الحالة، التي أصبح عليها السارد الرجل بعد أن دخل دوامة أو هذيان حل به أثناء النوم.

وهي حالة وإن بدأت عادية اتسمت بحالة القلق التي دفعت به إلى أن يعيش دوارا داخل بيته، مما جعله يتحرك في أمكنة البيت، وقد دعم زمن القلق حالة الطبيعة التي جادت في هذا الليل بالرياح والرعد والمطر الذي ينقر زجاج النوافذ فيحدث إيقاعا نفسيا يخلق لدى السارد توترا تزداد حدته مع عواء الذئب. يتدخل عنصر العجائبي ليصعد البعد الدرامي للشخصية الحاكية والمحكية.

كل ما بداخل البيت أصبح عجائبيا. فسقف البيت يطير في الهواء، يتبعه السرير الذي يصبح له جناحان ويطير ويظهر عند تنشيط رابط (انضمت أسرة كثيرة) عدد كبير من الأسرة المتطايرة في الهواء والتي كلما ابتعد طيرانها ابتعدت عن النظر ثم غابت واقترب القمر. طار السرير طار السرير، صار له جناحان كجناحي الغراب، داكنا بلون الدم المخنوق، خفق وخفق حتى غدا في أعالي السماء (رابط/انضمت أسرة كثيرة). حتى زوجته تتحول إلى عنصر عجائبي. من خياشمها المرعبة تصدر رائحة نتنة ونار(بعد رابط/كم أحتاجك الآن). كل شئ يغادر زمنه ومكانه ومنطقه في حياة السارد.

يتداخل العجائبي بالنفسي بزمن الليل والجو العام للطبيعة ليجعل إيقاع القلق يزداد. وهو إيقاع يتم تكسيره نصيا عبر رابطين يشخصان نصين ترابطيين وهما (كم أحتاجك الآن، وما بقا لي قلب بعدك). وهما يأتيان شعرا وأغنية وصوتا ويحدثان تكسيرا في حالة الحدث والسارد. هكذا نلاحظ أن نصوص الوسيط الترابطي تلقي بالذات الحاكية والمحكية في عالم عجائبي ونفسي متوتر ، والنصان الترابطيان يشتغلان مثل الوقفة Pause/في مكون الزمن. حيث استراحة السرد من أجل عودة التأمل فيما يحدث. يأتي الشعر في قصيدة كم أحتاجك الآن لغة/ صوت الذات وهي تعبر بلغة التوحد عن حاجتها إلى الآخر/ الحبيبة. وهي قصيدة تتشكل مع زمن السرد. إنها غير موجودة قبل السرد، إنما حاجة السرد إليها هي التي أوجدت زمنها. لهذا، فهي قصيدة من وحي زمن السرد أو حالته.

إنها قصيدة تنكتب مقاطعها أمامنا على قطعة ورق يحمل طابع الورق القديم. ترافق عملية الكتابة والنظم موسيقى هادئة تشتغل بدورها على تكسير حدة الرعب والقلق خاصة مع منطق التحولات من الإنساني إلى العجائبي، ومن الطبيعي إلى الغرائبي. كما تحضر مثل النقيض لصوت الطبيعة (عواء الذئب وصوت الرياح والمطر). أما النص الترابطي الثاني (ما بقا لي قلب بعدك) فإنه يتألف من نصين: نص شعري( قصيدة بقايا) والتي تعبر فيها الذات عن حالتها ثم نص غنائي طربي (أغنية وصوت محمد عبدة) يرافق بقايا وهي تتشكل أمام أعيننا حروف كلمات ومقاطع.

خلاصات أولية من صقيع

_ إن قراءة/مشاهدة صقيع، تعد تجربة غير مألوفة بالنسبة للوعي النقدي.

ولهذا، فهي تجربة في القراءة والتكوين، في معنى أن صقيع باعتباره نصا ينتمي إلى الأدب الرقمي، يعد من النصوص التي تخلق نوعا من الدربة، وتدفع نحو التعلم. _ يطرح نص صقيع بدوره كما جاء في شات محنة الذات مع زمنها النفسي. ولعل احتفاء النصين معا بقيمة الذات من حيث منحها الاعتبار الرمزي لتكون هي الحاكية والمحكية وإن جاءت بتمظهرات مختلفة بين النصين، فإنه يعبر عن حالة انبثاق ثقافة الذات وجعلها هي محور السؤال والحكي. _تقدم صقيع تجربة تقنية محبوكة رقميا، وهي تقنية وظيفية سردية.

فحالة القلق التي تعيشها الذات والتي جاءت في شكل هذيان أو حلم، فإنه يدفع الذات نحو السؤال عن ذاتها وعن منطق التحولات في زمنها دون أن تلتجئ إلى مؤسسة أو سلطة للإجابة عن أزمتها، وإنما التجأت إلى ذاتها وهو الشكل الذي شخصه بلغة الشعر والأغنية النصان الترابطيان. _ نلاحظ في صقيع عملية التناوب في جعل القصة تتحقق إبداعيا ورقميا.

فالحالة القلقة للذات يكسرها السردي الذي يجعل النص في النهاية يظل منفتحا أو يظل يعيش حالة الانفتاح مع جعل نهاية النص برابط نص وسيط ترابطي. لتظل الصورة هي آخر شئ يبق في ذاكرة/ تاريخ القراءة. _يعبر صقيع باعتباره محكيا ذاتيا ترابطيا عن كونه يشكل استمرارا للحالة السردية العربية التي تعيش حالة انعتاق الذات من ضمائر الغائب والجماعة والمخاطب لتأتي خارج كل الضمائر عارية من كل الأقنعة تواجه سؤالها وأزمتها برعب الحالة ولكنها تنتصر على الحالة حين يظهر زمن المحتمل ممكنا

* ناقدة وباحثة مغربية