Thursday 25th of April 2024
 

عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 

مواقع التواصل الاجتماعي

 
 
  • التاريخ
    16-Jan-2008

تورينو تحتضن ثاني أكبر متحف فرعوني

الشرق الاوسط - رغم تغير ملامحها بقيت روح المودة مع زائريها والعراقة في السلوك والملبس

تورينو:- المحطات الأساسية التي يفترض أن يزورها السائح في ايطاليا تشمل آثار روما وفلورنسا والبندقية (فينيسيا) الفنية العتيقة، أما تورينو فالأغلبية تظن أنها مدينة صناعية تنتج سيارات فيات وتشتهر بأقوى فريق لكرة القدم في ايطاليا وهو «يوفنتوس». لكن هل هذا كل شيء؟ ماهي أسرار هذه المدينة الخفية في شمال غربي ايطاليا على حدود جبال الألب الثلجية والحدود الفرنسية؟

وماذا يعمل الفراعنة عند سفوح جبال الألب؟ حين تزور تورينو هذه الأيام تكاد أن لا تتبين ملامحها القديمة فقد تغيرت فيها الكثير من الأمور والمباني والطرقات انما بقيت فيها روح المودة الخالصة واللطف مع الزوار والعراقة في السلوك والملبس والمأكل والكلمات الفرنسية المتداخلة مع اللغة الايطالية ..

انها العاصمة الاولى لايطاليا الموحدة قبل 146 سنة حيث كان ساسة الوحدة الايطالية أمثال كافور يصولون ويجولون وستنطلق منها عام 2011 احتفالات الذكرى الـ 150 لاقامة الوحدة الايطالية كما انها أولى المدن الايطالية التي انبهرت بالحضارة المصرية القديمة منذ أيام نابليون بونابرت فاحتضنت ثاني أهم متحف فرعوني في العالم بعد متحف القاهرة. ونظرا لارثها الصناعي فهي مدينة منظمة على نمط شمال أوروبا ويرنو عمدتها اليساري سيرجيو كيامبارينو الذي يقود عملية تطويرها منذ عدة سنوات الى جعلها عاصمة الفن الحديث في ايطاليا ومركزا سياحيا يتوافد اليه محبو الفن والرياضة والطعام الجيد.

ماذا تزور؟ : المشكلة هي من أين تبدأ جولتك في هذه المدينة التي بامكانك الوصول اليها بالطائرة أو بالقطار من روما (665 كيلومترا) أو ميلانو(225 كم) أو باريس أو لندن. أصبح نظام المواصلات في المدينة سهلا بعد افتتاح المترو (قطار تحت الأرض) منذ عامين أثناء دورة الالعاب الشتوية العالمية.

يمكن البدء بمركز المدينة الغني بالقصور الملكية لعائلة سافويا التي حكمت تورينو وايطاليا الموحدة لمدة ألف عام وهي غنية بفن الباروك في العمارة والزخرفة ففي ساحة كاستلو التي بناها الرومان حين جعلوا من تورينو مركزا لمعسكر قواتهم المنطلقة الى الشمال يقع القصر الملكي الشتوي (بالاتزو رياليه) وقصر ماداما (مقر برلمان مقاطعة بيمونته وعاصمتها تورينو) وأمامه مطعم تقليدي شهير منذ عام 1757 يدعى «كامبيو» (ساحة كارنيانو) زينت جدرانه بالمرايا الكبيرة وسقفه بثريات الكريستال الفخمة كان كافور من رواده المزمنين وله طاولة خاصة كان يرى منها نافذة البرلمان فاذا تعقدت المناقشات السياسية حول الوحدة الايطالية كان أحد مساعديه يلوح له من النافذة فيترك كافور طاولة الغذاء ويهرع الى جلسة المجلس النيابي ليحل المشكلة وكان خصومه يستغربون حضوره المفاجئ في اللحظة الحاسمة.

بامكانك حجز هذه الطاولة الآن والاستمتاع بوجبة فاخرة من المقبلات على شكل معجنات بالفطر البري واللحوم الطرية التي تشتهر بها مقاطعة بيمونته والخدمة الممتازة التي تهتم بأدق التفاصيل وفي خلق الجو الدافئ المريح مثلما كانت المطاعم الراقية قبل عشرات السنين. تقع في وسط المدينة ايضا كنيسة القديس سان جيوفاني (يوحنا المعمدان) التي يقال إنها تملك الرداء الذي لفت به جثة السيد المسيح بعد صلبه لكن البعض يعتقد انها قطعة مزورة يعود تاريخ صنعها الى القرن الثاني عشر وقد بعثتها الكنيسة الى الفاتيكان الذي لم يعط رأيا قاطعا فيها وما زال الغموض يكتنف الامر حتى اليوم.

قلعة ريفولي: نجد في قلعة ريفولي التي أنشأها ملوك عائلة سافويا متحف الفن الحديث وفيه قسم خاص للصور الفوتوغرافية التي التقطها المهندس المعماري كارلو مولينو الذي توفي عام 1973 وتحولت شقته الى متحف. كان مولينو مصمما من نوع فريد اذ كان يحب البهلوانيات وهو يقود الطائرة ويهوى التزلق على الجليد وصمم شقته بشكل غريب غير مألوف فالمفروشات فيها تعكس فكرته المستوحاة من الفرعون المصري الذي دفن في قارب في نهر النيل فهو يهيئ للحياة الآخرة ويعتبر أن الأهرامات ليست قبورا بل بنيت لتمثل الحياة الحقيقية الدائمة.

سبب شهرة مولينو بالاضافة الى عمله كأستاذ جامعي مرموق أنه صمم طاولة خشبية بشكل ابداعي مميز فبيعت بقيمة حوالي 4 ملايين دولار وهو أغلى سعر لأي طاولة في العالم. وقد أقيم معرض خاص عن مولينو في باريس في الشهر الماضي باعتباره اكثر المصممين غزارة وتنوعا في الانتاج خلال القرن العشرين في مختلف المجالات بما فيها تصميم السيارات والطائرات.

البيشرين شراب القهوة والكاكاو: قالت المسؤولة عن مقهى ماريتيه كوستا التاريخي الذي افتتح عام 1763 أن المقهى الصغير ما زال يستقبل زبائنه منذ ذلك الوقت مستعملا نفس الطاولات الرخامية من وقت افتتاحه ويقدم مشروبا ساخنا خاصا يدعى «البيشيرين» وهو مزيج متساو من الكاكاو والقهوة والحليب الكامل الدسم حسب الوصفة الاصلية قبل دخول الشوكولاتة الى تورينو لأول مرة في منتصف القرن التاسع عشر بشكل قطع من الكاكاو والحليب. كانت لهذا المشروب شعبية واسعة في مقاهي تورينو في تلك الحقبة لكنها اندثرت تقريبا في القرن العشرين ما عدا ذلك المقهى الذي لم ينقطع عن تحضير هذا المشروب المنعش اللذيذ يوميا.

وأضافت «كان الملك امبرتو يشتري الشوكولاتة من عندنا وترك لنا شهادة شكر ولقد أثار محلنا اعجاب الفيلسوف الالماني نيتشه والكاتب الفرنسي الكسندر دوماس ومؤلف الاوبرا الايطالي بوتشيني أما في السنوات الاخيرة فمن زبائننا المخلصين الكتاب الذائعين الصيت من أبناء تورينو مثل ايتالو كالفينو وماريو سولداتي».

أين تأكل؟: أهم مطعم في تورينو هو «كومبال زيرو» فهو أحد أرقى وأغلى مطاعم ايطاليا السبع وأحد أشهر خمسين مطعما في العالم بفضل صاحبه الشيف البارع دافيد سكابين ويقع بملاصقة قلعة ريفولي أي على بعد نصف ساعة بالمترو عن وسط تورينو.

قال سكابين في حديث خاص مع «الشرق الاوسط» انه يبحث عن الافكار الجديدة دائما ويخطط لائحة الطعام الاسبوعية بالتزام ورغبة في العمل المضني لكنه لا يحس بالتعب لأن اعجاب الناس بابتكاراته ينسيه تعبه. وأجاب عن سر تحضيره للوجبة الطعامية من مكونات جديدة ومزج بسيط قد لا يخطر على بال الكثيرين ممن مارسوا مهنة الطهي وأردف قائلا «انني ادرس تكوين الصحن المطلوب وأضع في اعتباري خمس نقاط أساسية: الذوق ـ المتعة ـ العاطفة ـ الخبرة ـ الذكرى ثم يأتيني الألهام».

يصنف دليل المطاعم في ايطاليا «اسبريسو 2008» الشيف سكابين على انه «ألماسة» المطعم الايطالي الحديث وأحد كبار المبدعين. انني أضمن لك أنك لن تأكل طبقا من اعداد سكابين في أي مكان آخر في العالم وستبقى متلذذا بما تناولت لمدة طويلة حتى لو دفعت مبلغ 160 يورو ( 230 دولارا) ثمنا لهذه المتعة الاستثنائية وستصنفه بعلامة تسعة وتسعين على مائة .

* المتحف المصري

* دخلنا المتحف المصري (ساحة أكاديمية العلم ـ بياتزا ديلا شيانسا) وعملية ترميمه تجري على قدم وساق بكلفة تفوق 50 مليون يورو (72 مليون دولار) ويرأس حاليا المؤسسة التي يديرها كاتب مشهور «ألان الكان» من أصل فرنسي كان صهرا لمالك سيارات فيات الملياردير الراحل جاني أنيللي وله كتاب معروف عن حياة الروائي الايطالي ألبرتو مورافيا اعيد نشره مؤخرا بمناسبة الذكرى المئوية على ولادته.

تحديث ديكور المتحف يجعله كنزا ثمينا لا يضاهى بكل معنى الكلمة واختيار مديرة أميركية من أصل يوناني ذات ثقافة واسعة واختصاص بالآثار القديمة سيجعله مقصدا للسائحين والدارسين ففيه تماثيل رمسيس الثاني (1279 ـ 1213 قبل الميلاد) وأمنحوتب الثاني وتوت عنخ آمون والاله آمون بالاضافة الى 6500 قطعة معروضة وما يزيد على 26 ألف قطعة محفوظة في مخازن المتحف. بقيت التماثيل المعروضة في اماكنها السابقة لكنهم خفضوا علو السقف وأضافوا اضاءة خافتة مع اللون الاسود فتبدل الجو من قديم ممل الى حديث يلفت الانتباه ويجعل المشاهد يميز بين وجوه التماثيل التي كانت تبدو متشابهة في السابق.

بدأ تأسيس المتحف عام 1824 بعد عودة كوستانزا من أهالي تورينو الى مدينته اثر مرافقته لنابوليون في غزوه لمصر وتعيينه قنصلا لفرنسا فيها حيث قام بتجميع وشراء القطع الفرعونية النادرة وحاول بيعها الى متحف اللوفر في باريس لكنه قوبل بالرفض لارتفاع الاسعار التي طلبها. حينذاك تمكن من اقناع ملك البيمونته من عائلة سافويا التي كانت تحكم جزءا من فرنسا بما في ذلك مدينة نيس بمنافسة فرنسا والنمسا في الآثار القديمة وتم افتتاح المتحف المصري في تورينو الذي ذهب مديره فيما بعد الى مصر أثناء حكم العثمانيين لها للتنقيب عن مزيد من الآثار الفرعونية.

قال ألان في تصريح خاص لـ«الشرق الأوسط» إن زوار المتحف زاد عددهم في العام المنصرم على نصف مليون أي حوالي نصف سكان تورينو وأن رئيس الجمهورية الحالي جورجيو نابوليتانو قام بزيارة المتحف المصري كأول زيارة له بعد تبوئه منصبه رسميا. وأضاف «أصبحت ادارة المتحف بشكل مؤسسة غير تابعة للدولة لذا فالتحدي الآن هو تغيير سلوك العاملين في المتحف في أنهم يخدمون الناس لا أنفسهم».

* متحف السينما

* من يعرف أن تورينو كانت مدينة السينما الصامتة في أول عهدها وكانت تتفوق على هوليوود؟ ومن يدري أنها كانت عاصمة الخياطة الراقية في القرن التاسع عشر قبل أن تأخذ مكانها ميلانو وفلورنسا في القرن العشرين؟ يمكنك الآن زيارة متحف السينما (شارع مونتيبلو) المقام منذ أول القرن الحالي في أعلى مبنى في المدينة وقد زاره ما يقرب من ثلاثة ملايين زائر منذ افتتاحه ومن لا تهمه الشاشة الفضية بامكانه الصعود الى اعلى البناء ورؤية تورينو بأجمعها وهي مستسلمة للسهل المنساب على سفوح الجبال المغمورة بالثلوج في قممها بينما يخترقها نهر «بو» بهدوء في وسطها وتحيط بها أشجار الخريف من الدفلي والحور بألوانها المتنوعة لتضفي عليها طابعا شاعريا مريحا.

في المتحف يمكنك رؤية قبعة شارلي شابلن الشهيرة وثوب الممثلة بيتي ديفيس وعباءة بيتر اوتول في فيلم لورنس العرب كما يمكنك مشاهدة مقاطع من الفيلم الملحمي القديم «كابيريا» للشاعر والكاتب المرموق غابرييل دا ننزيو الذي أعيد ترميمه مؤخرا أو أفلام الممثل الهزلي الراحل ألبرتو سوردي وفي مطعم المتحف يمكنك أن ترى سوردي حين تطلب طبقا من المعجنات وهو يلتهم السباغيتي في أحد أفلامه ويخاطبها قائلا:

لقد تحديتني كثيرا ولقد نفد صبري لذا سأمحيكي من الوجود وسآكلك! أقيم في آواخر شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الفائت مهرجان للسينما أشرف عليه المخرج الايطالي المشهور نانو موريتي واعتبره الكثيرون منافسا لمهرجانات السينما في البندقية وروما كما اتهم البعض مهرجان روما بأنه «اختطف» عدة أفلام كان من المفترض عرضها في تورينو. المهم أن زوار المتحف يقارب عددهم أربعة آلاف شخص كل يوم والاستراتيجية السياحية الحالية تهدف الى زيادة عدد السياح الروس بعد النجاح المدهش الذي تم في استقطاب السياح من انجلترا.

* أسبوع الشوكولاته

* تشتهر تورينو منذ القدم بأنها تقدم أفخر أنواع الشوكولاتة في ايطاليا وتنافس سويسرا وبلجيكا في هذا المضمار، وهي التي ابتكرت الشوكولاتة المجبولة بالبندق وتعتبر هذه المهنة من الصناعات اليدوية. تذوقنا مجموعة من القطع من صنع غوينو غوبينو وله دكان لا يبعد عن المتحف المصري فأخبرنا أن سر نجاح الشوكولاتة مرهون ببلد المنشأ ونوعية الكاكاو المستورد وهو يعتبر أن الكاكاو من فنزويلا أو ترينيداد في أميركا اللاتينية هو أجود الأنواع والبرهان في التذوق الذي نقر دون نقاش بأنه من النوع الممتاز النادر. هناك حوانيت صغيرة اخرى مشهورة بانتاج الشوكولاتة مثل اتيليه ديل شوكولاتو وبيرانو وتشارك سنويا في اسبوع الشيكولاتة بالاضافة الى الشركات الكبيرة مثل كافاريل وفيريرو وبيرنيغوتي.

هنالك ايضا «اسبوع الذوق» للتنافس حول الاطعمة اذ لا ننسى أن مقاطعة البيمونته ترعى أول جامعة في العالم لدراسة فن الطبخ والتغذية والتذوق أنشأها مؤسس الحركة الدولية للأكل البطيء كرد على الأكل الاميركي السريع وهو كارلو بيتريني ولا تبعد الجامعة سوى 60 كيلومترا عن تورينو وقد قدم في شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي رامي زريق استاذ الغذاء في الجامعة الاميركية في بيروت محاضرة عن المنتجات المحلية اللبنانية كمثال حي على فوائد الأكل البطيء وقامت شركة الشاي المحلية بتقديم الحلويات اللبنانية لتوضيح الفكرة بشكل عملي. تقام معارض عديدة سنويا في تورينو التي تحب أن تلقب بـ«عاصمة الطعام».